بائعة الورد
هاني مراد
قالت: كنت كلما مررت في طريق جامعتي، أرمق تلك الفتاة التي تنثر الورد أمامها لتبيع القليل منه! كان جسمها النحيل وعيناها النبيلتان، تنبئان بنفس كبيرة في جسد صغير، وكانت دائمة النظر في وريقات، تتشبث بها يداها الصغيرتان.
وبعد أن راودني الفضول في إحدى المرات، سألتها: ماذا تكتبين؟ فأجابت بأنها تذاكر دروسها. وعندما سألتها عن والديها، قالت: إن أباها قد توفى، أما أمها، فتعمل في تنظيف المنازل، لتعول أسرتها التي تضم ولدين صغيرين، وأختها الكبرى التي ترعى إخوتها مع المنزل. وعندما أردت منحها بعض النقود، أبت بكل إباء.
في اليوم التالي، ذهبت إلى المدرسة، ووجدتها وحيدة، ينفر منها التلاميذ لفقرها واهتراء ملابسها، كما لم أجد معها أي نقود لتشتري الطعام والحلوى مثل زميلاتها، لكني لمحت توقد ذكائها وتوهج فطنتها. فقدّمت إلى المديرة بعض المال، وطلبت منها أن تكرّم هذه الفتاة، وأن تشتري لها بعض الملابس والأحذية والأدوات الدراسية الجديدة، باعتبارها طالبة مثالية.
في اليوم التالي، وقبل ذهابي الى الجامعة، ذهبت الى منزل الفتاة، وأخبرت والدتها أني سأمنحها مبلغا شهريا من المال، لدراسة ابنتها، مع تأكيدي لها بأن هذه الجائزة مقدمة لأن ابنتها طالبة مثالية. وبقيت على وعدي لسنوات عدة، فغمرتني السعادة في هذه السنوات، وكان الخير يتتبعني في كل طريق أسلكه أو باب أطرقه، وفتحت لي أبواب عمل الخير، ومعاونة المحتاجين، وأنجبت طفلين، بعد سنوات اشتياق، وحججت مع زوجي بيت الله الحرام، وترقينا في عملنا، وصفت لنا الحياة بعد كُدار. وكنت أعلم أن سرّ ذلك التوفيق إلى الخير هو تلك الصدقة التي أقدمها إلى بائعة الورد.
اليوم، تجلس بائعة الورد بين طلابي في كلية الطب، وهي لا تعلم أني أصحبها منذ طفولتها، ولا تعلم أنها سرّ سعادتي.