وقفة مع التحرش
د. محمد بن بديع موسى
قضايا التحرش والاعتداء بين الشباب والفتيات - التي شاعت اليوم - قضايا دقيقة ومؤلمة، وكثيرا ماينجم عنها عواقب وخيمة.
والمتهم فيها عادة هو الشاب، فهو الضحية في هذه الجريمة دائما، وهو المُلام في هذه القضية من ألفها إلى يائها !! مع أن أهل الأمثال قالوا : ( المال السايب يعلم الناس السرقة )، فأكثر مايجعل أصحاب النفوس الضعيفة يستحلون أموال الآخرين هو إهمالها، وعدم الحفاظ عليها وتحصينها من السرقة.
والله عزوجل بيّن لأمهات المؤمنين أنهن في الفضل والشرف بالمنزلة التي لا يصل إليها غيرهنّ إن امتثلن أوامر الله واجتنبن نواهيه، ( وقد فعلن رضي الله عنهن ) فحذرهن من التعرض للرجال وفتنتهم بلين القول، وتُرَقيق الصوت إذا خاطبن الأجانب منهم
{ یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدࣲ مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِنِ ٱتَّقَیۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَیَطۡمَعَ ٱلَّذِی فِی قَلۡبِهِۦ مَرَضࣱ وَقُلۡنَ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰا }
وعندما أراد أن يُذهب عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الرجس ويطهرهم تطهيرا أمرهن بقوله { وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِینَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، فأمرهن بالقرار في البيوت، والمكث فيها، ولم يوجب عليهن عملاً خارج البيت إلا الحج إن رافقهن مَحرم.
فمابال المرأة تخرج كل يوم من بيتها. بأبهى حلة، وأجمل زينة مزيفة، وأزكى رائحة عطرة، تزاحم الرجال في الأسواق، والطرقات، والجامعات، والوظائف، ومعظم المجالات؟!! بل صار من علامة تحضّرها ورقيها أن تخالط الرجال، وتتكلم معهم بأعذب الكلام، وأرق العبارات، تختار في حديثها عبارات أجنبية ربما لاتعرف معناها، لكنها تدرك مغزاها ، تضاحك زملاءها، وتمازحهم ، وربما تجالسهم في خلوة مع الشيطان بعد كل ذلك تصيح وتنادي ...لقد تحرّش بي ، أو آذاني، أو فعل وفعل !!!
أنا أتساءل دائما من المتحرِّش؟ ومن المتحرَّش به ؟
إذا كانت الفتاة تذهب برجليها إلى محلات ( الكوافير ) - ولاأقول المساج - وتجلس على الكرسي، وتسلّم رأسها ووجهها لشاب - في أوج شبابه، وعنفوان شهوته - ليعبث بوجهها ورأسها وشعرها، ماذا تنتظر منه ؟ هل تظنه خشبة أو خنثى لاشهوة له؟!
أم تنتظر أن يجهر بنيته - على الطريقة البِدعية - ويقول قبل أن يلامسها : نويت أن ألامسها وأفرك وجهها وشعرها لساعة أو ساعات خالصا لله تعالى، وبدافع إتقان عملي لاغير ؟!!
أنا أتساءل من المتحرِّش ومن المتحرَّش به في مثل هذا الحال؟!
أيها الأحبة ...
في صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
« ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ على الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ. »
وأنا لاأبرئ الرجل أبدا ، فقد أمره الله أن يغض بصره، وحَرّم عليه أن يمس المرأة الأجنبية، حتى لو كان مصافحة
" «لَأنْ يُطعَنَ في رأسِ رجلٍ بِمِخْيَطٍ من حديدٍ خيرٌ من أن يمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له» ". والنبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء وقد أتين يبايعنه على الإسلام.
لكن على المسلمة أن تتذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" «صِنفانِ مِن أهلِ النّارِ لمْ أَرَهما؛ قَومٌ معهم سِياطٌ كأذْنابِ البقَرِ يَضرِبون بها النّاسَ، ونِساءٌ كاسياتٌ عارِياتٌ، مُمِيلاتٌ مائلاتٌ، لا يَدخُلْنَ الجنَّةَ ولا يَجِدْنَ رِيحَها"» . - رواه مسلم -
والمتأمل في هذين الصنفين يجد تلازما بينهما، فكلاهما اتصف بالظلم والفساد، وأي فساد يشيع في المجتمع كالفساد الذي ينشأ عن المرأة حين تخلع رداء حيائها، وجلباب طهرها وعفافها ، وتخرج متبرجة متعطرة، تأمن لذئاب البشر، وتعرِض مفاتنها لعامة الناس ؟!!
صدقوني أن معظم حالات التحرش سببها المرأة نفسها. فالمرأة كما يُخشى عليها فهي يُخشى منها.
فالواجب على المرأة أن تتق الله عز وجل في نفسها، وفي شباب أمتها، ولتعلم أنها - كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم - كلها عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وعلى وليها أن يتق الله تعالى فيها، ويحافظ عليها ما دامت فلذة كبده، ومهجة فؤاده، فهو مسؤول عنها. والمثَل يقول : ( أغلق باب دارك ولاتخوِّن جارك ).