الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينظر إلى أجسامكم}
فواز بن علي بن عباس السليماني
قال المصَنِّفُ: وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُم، وَلاَ إِلَى أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»[1].
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم...)؛ الحديث:
قال العلامة ابن باز في تعليقه على هذا الحديث أثناء الشرح: القلوب هي محل النظر والعمل، وأما الصور والأموال، فلا قيمة لها إن لم يستعنْ بها على طاعة الله، ولكن محل النظر القلوب إذا استقامت على محبة الله والإخلاص له وخوفه ورجائه، وصلحت الأعمال وصارت خالصة لله موافقة للسنة، هذا هو الذي ينفع صاحبه، صلاح القلب وصلاح الأعمال؛ اهـ.
وقال العلامة العثيمين في "شرح رياض الصالحين" شرح حديث رقم (7): قوله: (ولكن ينظر إلى قلوبكم)، وفي لفظ: (قلوبكم وأعمالكم): هذا الحديث يدل على ما يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13].
فالله لا ينظر إلى العباد إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة، أو صحيحة أو سقيمة، ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة، كل هذا ليس بشيء عند الله.
وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال ولا ينظر إلى شيء من هذا أبدًا، ليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب، وكان عند الله أكرم.
إذًا لا تفخر بمالك ولا بجمالك ولا ببدنك، ولا بأولادك ولا بقصورك، ولا بسيارتك ولا بشيء من هذه الدنيا أبدًا، إنما إذا وفَّقك الله للتقوى، فهذا من فضل الله عليك فاحمد الله عليه.
واعلَم أن الأعمال بالنيات، والقلوب هي التي عليها المدار، كم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح، لكن لما بني على خراب صار خرابًا.
النية هي الأصل تجد رجلين يصليان في صف واحد مقتديين بإمام واحد، يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب؛ لأن القلب مختلف أحدهما قلبه غافل بل، وربما يكون مرائيًا في صلاته والعياذ بالله يريد بها الدنيا، والآخر قلبه يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينهما فرقٌ عظيم.
فالعلم على ما في القلب، وعلى ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ [الطارق:8 ـ 9]؛ أي: تختبر السرائر لا الظواهر.
في الدنيا الحكم بين الناس على الظاهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع)، لكن في الآخرة العلم على ما في السرائر، نسأل الله أن يطهر سرائرنا وإياكم.
فإذا كانت السريرة جيدة صحيحة، فأبشر بالخير، وإن كانت الأخرى فقدت الخير كله، وقال الله تعالى:﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [العاديات:9 ـ10]، فالعلم على ما في القلب.
وإذا كان الله في كتابه، وكان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته يؤكدان إصلاح النية، فالواجب على الإنسان أن يصلح نيته، يصلح قلبه، ينظر ما في قلبه من الشك، فيزيله إلى اليقين كيف ذلك؟ يكون ذلك نظره إلى الآيات، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران:190].
وقال: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية:3 ـ 4].
فأنت انظر لآيات الله، إذا ألقى الشيطان في قلبك الشك، فانظر في آيات الله، انظر إلى هذا الكون من يدبره، انظر كيف تتغير الأحوال كيف يداول الله الأيام بين الناس، حتى تعلم أن لهذا الكون مدبرًا حكيمًا وهو الله عز وجل.
الشرك طهر قلبك منه، كيف أطهِّر نفسي منه؟ أطهِّر قلبي بأن أقول لنفسي: إن الناس لا ينفعوني إن عصيت الله ولا ينقذوني من العقاب، وإن أطعت الله لم يجلبوا إليَّ الثواب، فالذي يجلب الثواب ويدفع العقاب هو الله.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تشرك بالله تعالى؟ لماذا تنوي بعبادتك أن تتقرب إلى الخلق، ولهذا من تقرب إلى الخلق بما يتقرب به إلى الله ابتعد الله عنه، وابتعد عنه الخلق يعني: لا يزيده تقربه إلى الخلق بما يقربه إلى الله إلا بعدًا من الله ومن الخلق؛ لأن الله إذا رضي عنك أرضى الناس عنك، وإذا سخط عليك أسخط عليك الناس، نعوذ بالله من سخطه ومن عقابه.
المهم يا أخي عالج القلب دائمًا، كن دائمًا في غسيل للقلب حتى يطهر، كما قال الله تعالى:﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ [المائدة:41]، فتطهير القلب أمر مهم جدًّا، أسأل الله أن يطهِّر قلبي وقلوبكم، وأن يجعلنا له مخلصين ولرسوله متبعين؛ اهـ.
هل يلزم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم)، عدم النظر إلى الظاهر؟
سئل العلامة ابن باز عن قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر...» الحديث؟
فأجاب بقوله: يعني: لا قيمة لها، المقصود بنفي النظر لها لا أنها ليس لها قيمة، مثل قوله: «لا ينظر إليهم ولا يزكيهم» لغضبه عليهم، وهو سبحانه لا يخفى عليه خافية، يرى كل شيء جل وعلا، لكن المقصود نظر الرضا، ونظر المحبة؛ اهـ.
قلت: والاهتمام بالظاهر أمر مطلوب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر:4].
وقال: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة:108].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال)، عن ابن مسعود، رواه مسلم (147).
وعن عمران رضي الله عنه مرفوعًا: (إن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى أثر نعمته عليه)؛ رواه البيهقي (3/271)، وهو حديث يحتج به.
بل إن الظاهر عنوان الباطن؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران:118]، والله أعلم.
[1] أخرجه مسلم برقم (6542)، ورواه ـ أيضًا ـ برقم (6543) بلفظ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم...».