بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت مسائل أصول الفقه ببدا نزول القرآن الكريم وظهور سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجتمع المدينة المنورة ، وكانوا يمارسون أصول الفقه سجية حيث هو مجموع الأدلة الإجمالية لأفعال المكلفين ، دون الدخول في الفروع ، ومنها الأحكام التكلفية الخمسة ، وقد وصل إليها الصحابة والتابعون دون الحاجة إلى أي مقدمة من مقدمات علم الكلام ، وكذلك كتب الشافعي - رحمه الله تعالى - كتابه الرسالة نبراساً للفقهاء والمجتهدين دون أن يكون هنالك علم كلام أو رائحة منه ، وتطور الاجتهاد بعد انقطاع الوحي ، وكان الاستمداد من الكتاب والسنة لعلماء الإسلام قاطبة ، اجتهاد ووفقه ووعي وفتوى ، وقد بذل أتباع أئمة مذاهب الفقه جهدهم لتأسيس مدارس فقهية تعتمد أصولاً لكل واحدة منها ، ولها أثر عملي كنهر جار يرده عدد واسع من أفراد الأئمة ، ومنهم داود الظاهري ، وأسس تعامله مع الظاهر كحقيقة لايلتفت إلى غيرها ، وينتصر للمنطوق ، ولظاهر الخطاب قبل دخوله أعتاب تفسير النص ،دون اعتماده على تأويل من قريب أو بعيد ، وهذا جعله محقاً ببعض المسائل يسير مع دلالات ظاهر النص بحذافير منطوقه ولا يقوي الدلالات الأخرى ، معاكساً لباقي مدارس الفقه والتي غذت ، مقاصد التشريع ، أو تفسير النص بما يقضيه مفاهيم أخرى من المجاز والتي تشعرك ببعد طلب الظاهر وعدم إرادته مطلقاً ، ومن هنا نرى ارتسام خطوط القواعد الأصولية لأصول الفقه ، والانتصار للشريعة في أصول استنباط الأحكام الشرعية ودرء تعارض العقل والنقل والترجيح بين ما ظاهر التعارض ، ومعرفة النسخ وأحكامه ، وتفصيل الأحكام الشرعية بموجب الأمر ، أو مقتضى النهي ، أو الإباحة أو الندب أو الكراهة ودرجتها في النهي ، وقد استقرت المدارس الفقهية وتطورت علاقاتهم بطرق الاستنباط من القرآن والسنة وتحديد ملامح الإجماع في العصور الأولى ..
ثم دخل علم الكلام بعد ترجمة العلوم اليونانية وكان ممن تقدم بزج علم الكلام في أصول الفقه هو الإمام أبو بكر الباقلاني في كتابه التقريب ، وكان محوراً ومرجعاً ، لكل من تبعه من علماء أصول الفقه المتكلمين بغض النظر عن مذاهبهم ، وكذلك فريق من المعتزلة ، كالقاضي عبد الجبار و أبو الحسين البصري ، ومن تبعهما من أصحاب هذه المدرسة .