أخلاقنا تتجلى في طرقنا
حسين سويلم
إن مَن يتأمل حال طرقنا في هذه الأيام يجد العجب العجاب، فما بين زحام وضوضاء، وتلوث قمامة ليست في الأماكن المجهزة لها، وخرق لقواعد المرور، والسير في كل طريق، وعدم احترام الإشارات، أو الالتزام بالسرعة المحددة لكل طريق.
وللطريق كما تعلمون آداب وردت في سورة لقمان قال - تعالى -: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير)(لقمان:18-19).
وجاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: ((فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: ((غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)) متفق عليه.
فإذا كان هذا للجلوس في الطرقات فما بالنا بالسير فيها واحترامها، واحترام مَن يشاركوننا فيها أثناء السير أو القيادة؟!
إن الطرق في عالم اليوم تختلف اختلافاً كبيراً عما كانت عليه أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته الكرام - رضي الله عنهم -، فقد تضاعفت أعداد الناس، وازدحمت الطرق بهم، وانتشر العمران في كل مكان، وغطت المركبات الطرق حتى تكاد لا تصل الشمس إلى أرض الطريق بسبب تلاصق السيارات، كل ذلك يجعلنا أن نعيد النظر في التخطيط لطرقنا، ومساعدة رجال المرور حتى نيسر على أنفسنا والآخرين، ونستخدم الطريق خير استخدام، فنصل إلى وجهتنا دون جهد أو عناء، متحلين بحسن الخلق، ملتزمين بآداب الطريق، متبعين قواعد المرور والسير، مجنبين أنفسنا حوادث الطريق - بإذن الله -.
إن مَن يسير في طرقنا هذه الأيام يرى بأم عينيه ما نغص على السائرين حياتهم من زحام شديد خاصة أوقات الذروة، إما لأعمال في الطريق، وإما لحادث أو حوادث فيه، ما جعل بعض الناس يبكر إلى عمله حتى يتفادى الزحام صباحاً، أو يتأخر عن الرجوع إلى بيته حتى يتجنب تكدس السيارات أثناء عودته، إذن هو يحمل همّ السير في الطريق ذهاباً وإياباً.
إذا كان الحال هكذا فلا بد أن يتعاون الجميع من أجل التخفيف من وطأة الزحام، والتيسير على السائرين، وإن كان المار في الطريق يواجه زحاماً لا محالة؛ فليستغل الوقت فيما ينفعه، كالذكر، أو الاستغفار، أو قراءة القرآن، أو سماعه أو غير ذلك مما ينفعه، ويبتعد كل البعد عن الضيق والتوتر، والغضب أو اللعن، والسب أو أي شيء يحمّله بالذنوب والمعاصي، ويزيده حِملاً على حِمل الزحام أو التأخير، علماً بأن ما يفعله من تضجر أو غيره لا يفيده شيئاً، ولا يحل المشكلة، فهو يسير مع غيره لا يستطيع أن يصنع لمركبته جناحين فتطير بهما حيث شاء.
إذا تعرَّض المار في الطريق لبعض المضايقات من غيره من السائرين في الطريق فليتحلَّ بالصبر والهدوء والروية، ولا يعجل وليؤثر الآخرين على نفسه حسبة لله قال - تعالى -: (... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران من آية 134]، وقوله - تعالى -: [... وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ][النور من آية 22].
السلوك الحسن أو التصرف الحكيم أثناء قيادة السيارة لا يقتصر أثره على قائدها فقط، بل يتعداه إلى من بجواره من أسرته، أو أبنائه، أو مرافقيه في رحلته هذه، وبذلك يكون قدوة حسنة لهم وهو لا يشعر؛ فهم يتعلمون منه هذه الأخلاق ويطبقونها عند قيادتهم سياراتهم فيما بعد، فيعم الخير الجميع.
الإنسان لبنة في بناء المجتمع الكبير؛ والمجتمع يحتاج إلى تكاتف الصغير والكبير، وفي الطريق تتجلى جيداً أخلاقنا من نظام أو فوضى، أو احترام لقواعد المرور والسير، أو الضرب بها عرض الحائط والعبث بها ليل نهار، الالتزام بخفض الصوت أو الضجيج والصخب، حسن المعاملة واللين أو سوء المعاملة والشدة والغلظة، وضع القمامة، كالأوراق والمناديل، وعلب العصير، والمشروبات الغازية في أماكنها، أو رميها في الطريق، البصق في منديل، أو فتح باب السيارة، والبصق في الطريق كما نرى من بعض قادة المركبات... إلى آخر ذلك من الأخلاق التي تظهر بجلاء في طرقنا، والتي تعكس مدى ثقافتنا ورقينا وتحضرنا.
من سافر إلى بلاد متقدمة في الشرق أو الغرب وجد الناس جميعاً سواء قادة المركبات، أو المارة؛ يلتزمون بقواعد المرور، وقلما تجد مخالفة واحدة، ناهيك عن نظافة الطرق وإمكاناتها، حتى المعوقون لم يهضم حقهم عند تخطيط الطرق، فتجد ممرات خاصة بهم في كل مكان في الطرق، أو حتى أثناء صعود السلالم، والنزول منها، أفلا يؤثر ذلك فيمن طاف مسافراً إلى بلاد كهذه، فينقل هذه النظم والثقافة والأخلاق التي تنطق بها طرقهم إلى بلده من باب أولى؟!
إن التغيير إلى الأفضل والأرقى ليس بمستحيل، وإن واجبنا أن نخلص النية، ونبدأ بأنفسنا، وننصح غيرنا بالمعروف؛ ليتضافر أفراد المجتمع كافة للوصول بمجتمعهم إلى مصاف الدول المتحضرة، ولنغير من ثقافتنا بما يتلاءم وديننا الإسلامي الحنيف الذي يحثنا على التحلي بالأخلاق الفاضلة لنكون قدوة لغيرنا، فهل نبدأ من الآن؟!