ليه دايما مصر .. خط أحمر
===============
الموضوع دا يمس العرب جميعا.. مش المصريين بس.. من المحيط للخليج...
لو راجعت الخريطة بتاعت كماشة "داعش" الأمريكية، تلاقيها نفس الكماشة اللي حاول جنكيز خان يعملها و يحتل بواسطتها العالم...
تعال طيب نرجع لما هو أبعد من داعش.. نرجع قرون في الماضي.. حاوريك "النخبة".. و الإعلام بيعمل إيه.. و الدنيا بتمشي إزاي.. و نعرف سوا مصر تبقي بالنسبة لهم إيه.. و نعرف مصر بالنسبة لنا كلنا هي إيه...
سنة 1210 چنكيز خان حاكم المغول بعت رسالة لأمبراطور الصين.. جواب تهديد بيقول :
"قررنا إننا نضع راياتنا في كل مكان على سطح الأرض.. عن قريب كل الناس و كل الأمم حتكون خاضعة لينا"
(يا ترى الكلام دا مابيفكركش بقصص استاذية العالم و خلافة داعش؟)
إمبراطور الصين رفض التهديد و سخر منه.. ففي مارس 1211 انطلق جنكيز خان يحارب الصين علي رأس أربع جيوش.. علي كل جيش قائد من أولاده "جوجي و جوكتاي و أوكتاي و تولوي"..
الجيوش المغولية الرهيبة إقتحمت "سور العظيم" نفسه، و دمروا و نهبوا و إنسحب من أمامهم الجيش الصيني.. و احتلوا شمال الصين و استولوا على مملكة "كين" و نهبوا "بكين" و سيطروا عليها وضموا "منشوريا"...
كان للتتار أسلوب وحشي مروع يتضمن قطع الرقاب و تغريق الأسرى و حرقهم أحياء و كل مرة ي***وا باسلوب وحشي جديد.. مبتكر...
(بيفكرك بمين الموضوع دا ياترى؟)..
الرعب دا دا دفع كوريا للإستسلام و للإعتراف بسيادة جيش المغول علي أراضيها.. و بعد ما خلصوا على شرق أسيا اتجهوا للغرب في إتجاه أوروبا و الدولة الخوارزمية على حدود منطقة الشرق الأوسط...
في الوقت نفسه كان بيحصل حاجتين.. كان في تجارة بالدين زي دلوقتي بالضبط.. و كانت رايجة في أوروبا.. و كل ما واحد يبحث عن مجد شخصي أو يحب ينهب يعمل حملة استعمارية يسميها "حملة صليبية".. و يلم الناس تحت شعار كاذب بأن الصليب بيأمرهم ب*** الأعداء.. و يتحرك للشرق..
قليلين انتبهوا للقصة دي.. منهم الشاعر الإيطالي "دانتي Durante degli Alighieri" اللي كتب بصراحة إن الحملات دي أبعد ما تكون عن تعاليم المسيح و غرضها سياسي بحت.. بس دا مش موضوعنا الآن..
فالحاجة الأولى إن مصر "كانت مشغولة"...
كانت مصر بتحارب حملة استعمارية أوروبية جديدة.. كانت أوروبا فهمت إن إحتلال الشرق مش حيبدأ و لا يتم إلا بسقوط مصر.. و خليني أكررلك الجملة دي تاني عشان ماتضيعش منك في سياق الأحداث المثيرة:
"كانت أوروبا فهمت إن إحتلال الشرق مش حيبدأ و لا ينجح إلا بسقوط مصر"...
المهم في سبيل دا اتوجهوا لمصر بجيش هائل.. و سموا حملتهم الاستعمارية دي "الحملة الصليبية الخامسة".. الحملة مكانش ليها أي فايدة فعليا.. لأن " جان دى بريين Jean de Brienne" كان ملك بيت المقدس شرفياً و قوافل الحجاج بتمر عادي و الدنيا هادية.. بس كان هدف الحملة هو تدمير الجيش المصري بالكامل، كبداية لاحتلال الشرق.. ذلك الهدف اللي يبدو إن اصحابه لازالوا بيسعوا إليه حتى هذه اللحظة..
خلينا نكرر الجملة دي برضه عشان ننتبه لمعناها:
"كان هدف الحملة هو تدمير الجيش المصري بالكامل، كبداية لاحتلال الشرق"...
الحاجة التانية كانت إن تتار أوروبا بدأوا يجمعوا بعض و يحتشدوا في إسبانيا.. و كان الهدف إنهم يبدأوا يشدوا أزرهم و يدخلوا إيطاليا و منها علي ليبيا (مابيفكركش بأي شيء الكلام دا؟) بحراً.. و بعدين يسيطروا علي المتوسط وينطلقوا من الشرق لغزو أوروبا كلها و احتلال العالم...
المهم مرة المهم إن الحملة الصليبية الخامسة دي إصطدمت بمصر.. و قصتها طويلة جدا.. و كلها بطولة و صراع مشوق لا يتسع المجال لسردها.. و استيلاء علي دمياط و تحرير دمياط و معارك في فارسكور وغيرها.. لحد ما تم تدمير جيش الحملة الصليبية الخامسة علي يد الجيش المصري و استسلم قائد الحملة "للسلطان الكامل" ملك مصر في 28 يوليو 1220 ...
التتار كانوا "مكملين" بقي خلال العكّ دا.. و دخل المغول أراضي الدولة الخوارزمية سنة 1218 و استولوا على بخارى و سمرقند.. و بعدها.. حاصروا عاصمة الدولة الخوارزمية.. دعا السلطان "جلال الدين أكبر" حاكم خوارزم قومه للجهاد المقدس ضد التتار.. و جمع شعبه كله تقريبا وواجه المغول.. لكن للأسف اتهزموا و ات*** السلطان جلال الدين سلطان خوارزم و حصل في خورازم مذابح رهيبة.. لدرجة إن البلاد فضل ريحتها دماء لعدة شهور...
مصر خلصت علي الحملة الصليبية الخامسة و بدأت تلتفت لخطر التتار.. بس "الخطة كانت إن مصر تفضل مشغولة بأزمات ورا بعض علي طول".. فجالها فريدريك التاني بحملة صليبية سادسة!!
كان وقتها في الشام و العراق في "نخبة"...
علي فكرة الكلام دا حقيقي مش إسقاط مني.. و ممكن ترجع للمراجع إذا حبيت...
النخبة دي كانت من كبار التجار و رجال الدين و المستشارين.. و كانت بتدعو الشام و العراق "للاستسلام".. و كان بيجي عملاء من أهل البلد و ناس مأجورة تبدأ تشتغل بكلام من نوع: "إحنا مش قد المغول.. دول حياكلونا.. نستسلم أحسن.. و إيه يعني نعيش تحت حماية المغول.. إيه يعني ياخدوا قطعة من اراضينا.. بلادنا ضعيفة.. بلادنا جاتقع.. الشعب مش راضي .... إلخ".. كواحدة من أولى الآلات الإعلامية في التاريخ.. لبث روح الهزيمة و شن الحرب النفسية...
"النخبة" و العملا دول دي فضلوا يتصلوا بالمغول سراً و ينافقوهم.. و معظمهم فيما بعد اتضح انه كان جاسوس للمغول...
النخبة دي أثرت علي خليفة بغداد و علي "الناصر يوسف" ملك سوريا.. و دفعتهم للتردد و محاولة كسب ود المغول بالهدايا و غيرها.. في الوقت دا كان "جنكيز خان" مات.. و حفيده "هولاكو" بيكتسح قلعة الموت بتاعت الحشاشين؛ أخطر جماعة إغتيالات عسكرية عرفها التاريخ.. و بيعلن سيطرته علي فارس.. قام "بدر الدين لؤلؤ" أمير الموصل راح لهولاكو شايل كفنه على إيده ومعاه هدايا و مجوهرات و سلمه مفتاح الموصل فخلاه يفضل أمير عليها بس خد منه 20 الف جندي ضمهم لقواته و خد نساء كتير من أهل الموصل كجواري...
يوم 18 يناير 1258، كان هولاكو بجيشه أمام أسوار بغداد.. و بعدما حاصر بغداد شوية.. اقتحمها في 10 فبراير 1258.. و قبض علي الخليفة و لفه في سجادة و ***وه ضربا بالركلات...
بعد بغداد أرسل رسالة تهديد "للناصر يوسف" ملك سوريا.. و طالبه بالاستسلام.. اجتمع "الناصر يوسف" للأسف "بالنخبة" .. فنصحوه بإن أحسن حاجة إنه يستسلم للمغول و يدخل في طاعة هولاكو.. و كان الأمير السوري - الكازاخستاني "بيبرس البندقداري" المعروف لاحقا باسم "الظاهر بيبرس" جاي من العراق و شاف جرايم المغول وحاضر المناقشة دي.. فشتمهم و قالهم انهم هم و اللي زيهم السبب في كل المصايب دي...
و لما عارضه "الناصر يوسف" و طلب منه احترام "النخبة".. مشى و ساب الإجتماع، و سوريا كلها، وانسحب و جه مصر و معاه أربع آلاف من المماليك البحرية.. و رحب بيه "سيف الدين قطز" و أصبحوا أصدقاء...
بعدها دخل التتار حلب.. اللي قدر يقاتل قاتل و استشهد.. و هرب النساء و الأطفال و الشيوخ إلي مصر.. و سقطت "حماة" و اضطر الناصر يوسف ينسحب بجيش محدود من الخوارزمية و الكرد إلي غزة.. و منها كان جاي القاهرة.. بس اتخانق الخوارزمية و الأكراد اللي معاه مع بعض.. و بدأوا يثيروا مشاكل.. فخرج له سيف الدين قطز علي رأس كتيبة و منعه من دخول مصر.. و فضل كده لغاية ما خانوه اتنين خدامين أكراد و سلموه للمغول.. كان المغول ساعتها عدوا نهر الأردن ووصلوا حدود مصر...
ساعتها مصر كانت مصر لسه متخلصة من الحملة الصليبية السادسة.. و تعبانة إقتصادياً و إجتماعيا و عسكرياً من الحملات المتكررة عليها.. كان جيشها منهك في اضعف حالاته.. و كانت متوترة سياسياً مع وفاة أقطاي و ايبك و شجرة الدرّ.. و كانت بلا حاكم فعلياً...
المهم إن قطز.. اللي في الفيلم الشهير "وا إسلاماه" المرفقة لقطة منه قام بدوره "أحمد مظهر".. جاله رسل المغول، و عرضوا عليه العرض اللي في الفيديو.. بس "الظاهر بيبرس" صديقه - اللي هو كان "رشدي أباظة" - قال له الحقيقة.. المغول كذابين و كل بلد استسلمت إستعبدوها أو أبادوها.. و إن النخبة اللي حاتظهر و تقول له العكس.. لا نخبة و لا نيلة.. مجرد عالم معفنة مرتشية عملاء للمغول...
بس قطز ماقطعش رسالة المغول زي المشهد دا.. لا.. دا قطع رؤوس رسل المغول نفسها، و ربط جثثهم علي خيولهم و اطلقها ترجع من حيث جاءت.. إلي هولاكو..
الشعب المصري كان قلقان متوتر.. يا ترى يقدر في حالة الضعف دي يتصدى للمغول؟
هنا.. قطز عمل حركة من أبرع حركات الحرب النفسية في تاريخ العالم.. و علّق رؤوس رسل المغول أمام المصريين علي باب زويلة...
المشهد دا حسس الشعب إنه لا يقهر.. و إن قطز عارف هو بيعمل إيه.. و سبب لهولاكو صدمة نفسية مروعة شككته في نفسه حقيقي.. ماحدش علي الإطلاق عامل التتار بالطريقة دي!! دي دول كبرى استسلمت بمجرد سماع اسمهم...!!
المهم هولاكو اتقدم ناحية مصر بستمائة ألف جندي تتري.. فخرج له قطز بثمانين ألف.. هم كل اللي حيلته بعد الحملات الصليبية.. أربعين ألف جندي مصري مدرب و أربعين ألف من الشعب و من الكتيبة اللي جت مصر مع الظاهر بيبرس...
قطز كان فاهم إن هولاكو مش من البلد و مش دارسها و معندوش قوات استطلاع.. بينما المصريين حافظين ارضهم شبر شبر..
و في فجر يوم الجمعة 3 سبتمبر، مع نفير الحرب و طبول المغول الرهيبة.. الظاهر بيبرس اتقدم بعشرة آلاف جندي و اشتبك مع طلائع المغول.. و بعد ساعة إنسحب.. كان "كتبغا" وزير هولاكو وقتها بيراقب الموقف و إعتقد إن هي دي كل قوات المصريين، و قرر يخلص المعركة بسرعة و يفوز بتفاحة الشرق و الدرة الكبرى؛ مصر، و يسيطروا على كل الشرق الأوسط مع تبعات إختفاء ثقافته و دياناته.. فراح "كتبغا" مطارد قوات بيبرس بكل الجيش تقريبا ما عدا 20 الف جندي..
لما وصلوا إتضح إن بيبرس بيقودهم لكمين محكم للغاية في تلال منطقة "عين جالوت".. و خرج لهم قطز بالجيش الرئيسي.. و بالرغم من المفاجأة إلا إن جيش قطز كان في ضغط شديد علي ميسرته و بدأت الجنود تتخاذل، فرفع خوذته و رماها في الهواء و اطلق ندائه الشهير "واإسلاماه".. اللي أشعل حماس الجنود.. و هجم بنفسه مع الجنود و أمّن الميسرة..
استمرت المعركة من الفجر لصلاة العصر.. و انتهت بهزيمة ساحقة للتتار و أسر "كتبغا" نفسه، و إرساله مربوط مقيد إلي القاهرة مع رسالة للأمير "جمال الدين أقوش".. و نفذ الأمير "جمال الدين" أوامر قطز اللي في الرسالة و أعدم "كتبغا" في قلب القاهرة...
بعد نتيجة معركة عين جالوت.. هولاكو إتغاظ بشدة و غضب غضب مروع.. فمسك النخبة و الآلات الإعلامية إياهم - و كان استدعاهم عشان يكافئهم - و أعدمهم واحد واحد...
إنطلق بيبرس بعدها علي فلسطين و حررها من التتار.. و بعدين وراها دخل سوريا و سهول لبنان وشتت جيوش المغول و هزمها.. فبدأوا يستخبوا في الحقول.. فخرج عليهم الفلاحين و النساء من أهل سوريا بالطوب و العصي و الفؤوس و أبادوهم عن بكرة ابيهم.. عشان يتقدم ركن الدين قطز - بعدما توفي سيف الدين قطز - مع بيبرس للعراق و يحرروها..
و كانت النهاية في 18 إبريل سنة 1277 لما اتهزم المغول علي يد الجيش المصري في معركة الأبلستين هزيمة نكراء.. و مفضلش إلا "القبيلة الذهبية"، اللي راح لها بيبرس و هي مهزومة في أضعف حالاتها و أعلن إنه لن يقاتلهم.. مما دفع قائدها و حفيد "جنكيز خان" إلي اعتناق الإسلام، و اصبح اسمه "بركة خان".. الحركة السياسية دي أثرت علي تتر أوروبا معنوياً و بدأت تفرقهم..
إتعملت بعد كده معاهدات و إتفاقيات صداقة بين مصر و الإمبراطورية البيزنطية و الإمبراطورية الرومانية الغربية و صقلية و جمهوريات إيطاليا...
راجعوا معي: إحتلوا الصين.. جورجيا.. كوريا.. أرمينيا.. العراق.. فارس.. الشام.. الأردن.. فلسطين.. لحد ما إصطدموا بمصر....
و بعدين ساعتها بس.. اتعكست.. و بدأت تنضف.. لحد ما اتنضفت تماما...
و بكده نبقي اتكلمنا عن النخبة و الإعلام.. و عن "المغول" و خريطتهم.. و عن أستاذية العالم.. و عن مين هي مصر و إزاي هي حائط الصد الأخير...
مصر مش خط أحمر و بس..
مصر هي الخط الأخير...
-----------
المراجع
-----------
1 -ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور ، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
2 - ابن تغري: النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة، دار الكتب و الوثائق القومية، مركز تحقيق التراث، القاهرة - 2005.
3 - أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، المطبعة الحسينية، القاهرة 1325هـ.
4 - جمال الدين الشيال (أستاذ التاريخ الإسلامي): تاريخ مصر الإسلامية، دار المعارف، القاهرة 1961.
5- د. قاسم عبده قاسم : عصر سلاطين المماليك - التاريخ السياسى و الاجتماعى، عين للدراسات الانسانية و الاجتماعية، القاهرة 2007.
6 - د. قاسم عبده قاسم : بين التاريخ و الفولكلور- عين للدراسات الانسانية و الاجتماعية، القاهرة 2008.
7 - محيي الدين بن عبد الظاهر : تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور، تحقيق د. مراد كامل، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة 1961.
8 - محيي الدين بن عبد الظاهر : الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، تحقيق ونشر عبد العزيز الخويطر 1976.
9- نور الدين خليل: سيف الدين قطز ، حورس للنشر والتوزيع، الإسكندرية 2005، -6ISBN 977-368-088
10 - د. شفيق مهدى : مماليك مصر والشام، الدار العربية للموسوعات، بيروت 2008.
11 - عز الدين بن شداد : تاريخ الملك الظاهر، دار نشر فرانز شتاينر، فيسبادن 1983
12 - علاء طه رزق، دراسات في تاريخ عصر سلاطين المماليك،عين للدراسات والبحوث الانسانية و الاجتماعية، القاهرة2008
13 - Amitai-Preiss, Reuven, Mongols and Mamluks: The Mamluk-Ilkhanid War, 1260-1281 ، Cambridge University Press 2004.
14 - Curtin, Jeremiah,The Mongols, A History,Da Capo Press 20014 - ISBN 0 306-81243-6
15 - (ستيفين رونسيمان) Runciman, Steven, A history of the Crusades 3. Penguin Books, 2002
16 - ( ارنولد توينبى) Toynbee, Arnold J., Mankind and mother earth, Oxford university press 1976
17 - The New Encyclopædia Britannica.
18 - السلطان سيف الدين قطز بطل عين جالوت وقاهر المغول، منصور عبد الحكيم .
19 - السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت، علي محمد محمد الصلابي.