حديث: أعني على نفسك بكثرة السجود
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل))، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أَوْ غيرَ ذلك؟!))، قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود))؛ رواه مسلم[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: لقد كان ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويبيت معه، ويأتيه بوَضوئه وحاجته، وكانت نفسه تواقة بذلك إلى الجنة؛ ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يكون رفيقًا له في الجنة، وهذا يدل على علو همته؛ إذ كان بإمكانه أن يسأل الدنيا بأسرها، يسأل المال والمتاع الزائل، إلا إنه لما خيره الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء يشفع له فيه عند ربه لم تَتُقْ نفسُه إلا إلى أعلى المعالي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى خيرة أخرى: ((أَوْ غيرَ ذلك))، فتمسك بما اختاره أولًا، وهكذا المؤمن ينبغي أن يكون ذا همة عالية مترفعة عن الدنايا، تواقة إلى ما عند الله تعالى.
الفائدة الثانية: دل الحديث على استحباب شكر الإنسان لمن يقدم له خدمة أو عملًا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أحب أن يكافئ ربيعة على خدمته له؛ فلذلك خيره فيما يريد، وقد جاء في حديث الأشعث بن قيس الكندي وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشكر اللهَ مَن لا يشكر الناسَ))؛ رواه أحمد[2]، فالإحسان للمحسن وشكره من محاسن الأخلاق التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وجحود ذلك وإهماله من مساوئ الأخلاق التي ينبغي أن يترفع عنها المؤمن.
الفائدة الثالثة: لما كانت الجنة لا تنال إلا بالعمل الصالح أمر النبي صلى الله عليه وسلم ربيعة رضي الله عنه أن يكثر من الصلاة، وفي هذا دليل على مشروعية الإكثار من صلاة النوافل، وقد شرع الله تعالى لنا في اليوم والليلة صلوات كثيرة، وصلاة النفل مشروعةٌ في كل وقت، إلا أوقات النهي عن الصلاة[3]، وأفضلها صلاة الليل، وفي حديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة))؛ رواه أحمد وابن ماجه وهو صحيح[4]، فينبغي للمسلم ألا يغفل عن نوافل اليوم والليلة؛ كالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل، وصلاة الوتر، فهي مما يقربه من الله تعالى، ويدنيه من الجنة التي لأجلها شمر الصالحون، واجتهد المجتهدون.
[1] رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه 1/ 353 (489).
[2] حديث الأشعث: رواه أحمد 5/ 211، 212، ومن طريقه الضياء في الأحاديث المختارة 4/ 307، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (971)، وحديث أبي هريرة نحوه: رواه أحمد 2/ 258، 295، 302، 388، 461، 492، وأبو داود في كتاب الأدب، باب في شكر المعروف 4/ 255 (4811)، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك 4/ 339 (1954)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبخاري في الأدب المفرد ص85 (218)، والطيالسي ص 326، وصححه ابن حبان 8/ 198 (3407)، والألباني في صحيح الجامع (6601) وصحيح الترغيب والترهيب (973).
[3] وهي ثلاثة على الإجمال، وخمسة على التفصيل، وهي إجمالًا: من صلاة الفجر حتى ارتفاع الشمس قِيدَ رمح، ومن استواء الشمس في وسط السماء حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى تغيب الشمس.
[4] رواه أحمد 5/ 276، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب المحافظة على الوضوء 1/ 101 (277)، والدارمي 1/ 174 (655)، وصححه ابن حبان 3/ 311 (1037)، وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين 1/ 221: صحيح على شرط الشيخين، وقال العقيلي في الضعفاء 4/ 168: إسناده ثابت عن ثوبان، وقال المنذري (الترغيب والترهيب 1/ 97): رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وقال ابن عبدالهادي (تنقيح تحقيق أحاديث التعليق 3/ 142): هو حديث صحيح، وقال الحافظ (فتح الباري 4/ 108): الحديث صحيح، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/ 135 (412) وصحيح الجامع (952).