من أحكام وليمة الزواج
د. علاء شعبان الزعفراني
من أحكام وليمة الزواج
وليمةُ العرس تكون شكرًا لنعمة النكاح، وإشهارًا للنكاح وإعلانًا له، وإظهارًا للسرور، وإذا كانت كذلك، فلا ينبغي أن يُخصَّ بها الأغنياء دون الفقراء؛ فإن ذلك يدل على تكبُّر صاحبها، بل الذي ينبغي أن يدعوَ الإنسان إليها أقاربَه وجيرانه وأصحابه، ومَن يعرفهم من المسلمين، وبالقطع سيكون في هؤلاء الغني والفقير، وأما تخصيصُ الأغنياء بالدعوة، فذلك الذي ذمَّه الحديث؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((شرُّ الطعام طعامُ الوليمة، يُمنَعُها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومَن لم يُجِبِ الدعوة، فقد عصى الله ورسوله))[1].
وتجوزُ الوليمة وغيرها من صنائع الطعام باللحم وبغيره مما تيسَّر له، ولا ينبغي أن يَشق الداعي على نفسه فيها، وإن كان طبخُ اللحم أفضلَ من غيره عند القدرة عليه.
فعن أنس رضي الله عنه قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بينَ خيبرَ والمدينة ثلاثَ ليالٍ يُبنَى عليه بصفية، فدعوتُ المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالًا بالأنطاع فبُسطَت، فألقى عليها التمر والأَقِط والسَّمْن"[2].
والأفضلُ فعلُ وليمة النكاح بعد الدخول؛ اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتيسَّر ذلك فلا حرجَ من فعلها قبلَ الدخول، أو عند العقد أو بعده.
والأمر في هذا واسع، ومراعاة الإنسان ما جرى عليه عمل أهل بلده أولى؛ لعدم وجود نص شرعي يدل على إيجاب أو استحباب فعلها في وقت محدد.
قال الحافظ ابن حجر: "وقد اختلف السلف في وقتِها، هل هو عند العقد، أو عقبه، أو عند الدخول، أو عقبه، أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟ على أقوال"[3].
وقال الصنعاني: "وصرَّح الماوردِيُّ من الشافعية بأنها عند الدخول.
قال السبكي: والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول.
وكأنه يشير إلى قصة زواج زينب بنت جحش، لقول أنس: أصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب، فدعا القوم.
وقد ترجم عليه البيهقي (باب: وقت الوليمة)". انتهى[4].
وحديث أنس لفظه: "أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب بنت جحش، وكان تزوَّجها بالمدينة، فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار..."[5].
وفي لفظ: "أصبح النبيُّ صلى الله عليه وسلم بها عروسًا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام"[6].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ووقت الوليمة في حديث زينب وصفته يدل على أنه عقب الدخول"[7].
وقال الحافظ ابن حجر: "وحديث أنس صريحٌ في أنها بعد الدخول؛ لقوله فيه: "أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم"، واستحبَّ بعض المالكية أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقبها، وعليه عمل الناس اليوم"[8].
وقال المَرْداوِيُّ: "الأَوْلَى أن يقال: وقتُ الاستحباب مُوسَّع من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس؛ لصحة الأخبار في هذا، وكمال السرور بعد الدخول، لكن قد جرت العادة فعل ذلك قبل الدخول بيسيرٍ"[9].
وقال البخاري: "باب حقِّ إجابة الوليمة والدعوة، ومَن أَوْلمَ سبعة أيام ونحوه، ولم يُوقِّتِ النبي صلى الله عليه وسلم يومًا ولا يومين".
قال الحافظ: "أي: لم يجعل للوليمة وقتًا معينًا يختصُّ به الإيجاب أو الاستحباب، وأُخِذ ذلك من الإطلاق".
وقال الدَّمِيريُّ: "لم يتعرَّض الفقهاء لوقت وليمة العرس، والصواب: أنها بعد الدخول، قال الشيخ - يقصد: السُّبْكيَّ -: وهي جائزة قبلَه، وبعده، ووقتُها مُوسَّع من حين العقد؛ كما صرَّح به البغوي"[10].
وليس لعدد المدعوين لوليمة النكاح حدٌّ معين، بل ذلك راجع إلى قدرة الشخص وطاقته.
قال ابن بطَّال: "الوليمة إنما تجبُ على قدر الوجود واليسار، وليس فيها حدٌّ لا يجوز الاقتصارُ على دونه"[11].
وقال: "كلُّ من زاد في وليمته فهو أفضل؛ لأن ذلك زيادةٌ في الإعلان، واستزادة من الدعاء بالبركة في الأهل"[12].
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (5177)، ومسلم (1432).
[2] أخرجه البخاري (4213).
[3] فتح الباري؛ لاين حجر (9/ 230).
[4] سبل السلام (1/ 154).
[5] متفق عليه: أخرجه البخاري (4793) ومسلم (1428).
[6] أخرجه البخاري (5166).
[7] الاختيارات العلمية (346).
[8] فتح الباري (9/ 231).
[9] الإنصاف (8 / 317).
[10] النجم الوهاج (7/ 393).
[11] شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (13/ 283).
[12] شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (13/ 282).
الألوكة
.................