صفعة على وجه الصفقة
ليس مطلوباً من العرب سوى الاطلاع على سيرة الفتاة الفلسطينية، عهد التميمى، ليتأكدوا كم أن القضية الفلسطينية فى أيدٍ أمينة، لا تحتاج إلى جيوش عربية، ولا إلى متطوعين عرب، ولا إلى صراخ عربى، ولا حتى إلى المال العربى، أو بمعنى آخر نفط العرب، الأهم من ذلك هو أننا نستطيع الآن فقط أن نؤكد أيضاً أننا لن نخشى على القضية الفلسطينية حتى من الخيانة العربية، لن يستطيع أحد فرض إرادته على الشعب الفلسطينى، ولا حتى مجرد التفاوض باسمه، لا من خلال ما يسمى «صفقة القرن»، ولا غيرها من موبقات، ذلك أن عهد التميمى سجلت صفعة تاريخية، ليس على وجه الجندى الإسرائيلى فقط، والتى اعتُقلت بسببها، وإنما سجلتها على كل وجوه الصفقات المشبوهة، وعلى وجوه كل مَن يقفون خلفها.
من هنا كنا نؤكد منذ اللحظة الأولى لصدور قرار الرئيس الأمريكى المتعلق بالقدس عاصمة لإسرائيل أن فوائد القرار أكثر من أضراره، ذلك أن القضية كانت قد ماتت إكلينيكياً على الأقل، ليس لأسباب فلسطينية، بقدر ما هى أسباب عربية بالدرجة الأولى، بعد أن دأب العرب على طرح مبادرات عقيمة استهدفت دائماً وأبداً إجهاض مشاريع المقاومة الفلسطينية وانتفاضاتها، بل تم استخدام المال العربى فى تقسيم وشرذمة هذه المقاومة، جغرافياً تارة، ما بين غزة والضفة الغربية، وتنظيمياً تارة أخرى، ما بين الفصائل المختلفة وما أكثرها على الورق.
منذ صدور القرار الأمريكى بشأن القدس والدم أصبح يجرى فى أوصال القضية الفلسطينية على كل المستويات، داخلياً وخارجياً، إلا أن أهم هذه المستويات على الإطلاق هو الانتفاضة الثالثة الحاصلة الآن فى الأراضى المحتلة، أو ما يمكن أن يُطلق عليه «انتفاضة القدس»، وأيقونتها تلك الفتاة، عهد التميمى، البالغة من العمر 16 عاما، والتى بدأت النضال مبكراً فى سن العاشرة، ذلك أنها ظهرت فى مواقف كثيرة مسجلة تشارك فى الاحتجاجات، وتشتبك مع جنود الاحتلال، إلى أن كانت تلك الصفعة التى تلقاها أحد الجنود على وجهه، وهى لا تطلب منه أكثر من رحيله عن منزلها قائلة: (اخرج من بيتنا يا نجس)، وظلت تطارده هو وزميله وهما مدججان بالسلاح، إلى أن غادرا فناء المنزل بالفعل، إلا أن سلطات الاحتلال بدا أنها كانت تضمر الكثير للفتاة منذ أن كانت طفلة، فأرسلت- حسبما هو معلن- 20 دورية لاعتقالها فى جنح الليل، بعد أن صادروا كل ما وجدوه فى المنزل من هواتف وحواسيب ومقتنيات خاصة!!.
عهد التميمى، بنت قرية النبى صالح، الواقعة غرب مدينة رام الله، لم تخرج إلى الحياة لتجد نفسها هكذا تقاوم الاحتلال، ذلك أنها أُصيبت من قبل بالرصاص المطاطى ثلاث مرات خلال المظاهرات التى كانت تنظمها القرية بصفة أسبوعية ضد جدار العزل والاحتلال. والدها، الحاصل على ماجستير فى القانون، مُقعد بسبب ال***** فى السجون الإسرائيلية أثناء اعتقاله أكثر من مرة، ورغم ذلك تم اعتقاله أخيراً عقب اعتقال ابنته، أيضاً والدتها اعتُقلت قبل ذلك، ثم اعتُقلت أخيراً فى اليوم التالى لاعتقال «عهد»، حينما ذهبت إلى جهات التحقيق لتسأل عن مصير ابنتها، أيضاً عمتها استُشهدت هى الأخرى جراء اعتداء مجندة إسرائيلية عليها حين حضور محاكمة لابنها، مما أصابها بشلل أودى بحياتها.
بالفعل نحن أمام نضال من نوع خاص، لم يعد ممكنا القبول بالمزايدة عليه، وبعد أن كنا فى يوم من الأيام ندعو ونستعطف العواصم العربية لدعم المقاومة الفلسطينية أو دعم القضية بشكل عام، أصبحنا الآن ندعوهم إلى أن يرفعوا أيديهم عنها، بعد أن تأكد العالم أجمع أنها كانت «سبوبة» عربية منذ ما قبل عام 1948 حتى الآن، الحقائق تكشفت والوثائق خرجت إلى النور، ولم تعد هناك أسرار، وإذا كان الأشقاء فى فلسطين فى حاجة إلى دعم من أى نوع، فأعتقد أن الشعوب العربية كفيلة به، بعيداً عن السلطات الرسمية، فقط ارفعوا أيديكم عن الشعوب.
لنقرأ معاً جزءاً مما سطره السيد باسم التميمى، والد «عهد»، على مواقع التواصل الاجتماعى فيما يتعلق بمحنة ابنته: «لكِ يا (عهد) افتخارى ومحبتى ودفء قلبى والسلام اليوم بشموخ.. رفضت المحكمة طلب المحامى الإفراج عن (عهد)، ومددت توقيفها إلى يوم الإثنين القادم، بحجة وجود ملف سرى، وأن التحقيق لم ينتهِ، وحسب حديث القضاء أن (عهد) لا تتجاوب مع التحقيق، وتصر على الصمت، دُمْتِ قوية صلبة مُقاوِمة، يا عزنا وفخرنا، يا رمزاً لجيل النصر والتحرير، سنبقى نتحدى لنرسم معالم الطريق والأمل نحو فلسطين الدولة الحرة الديمقراطية من بحرنا لنهرنا، لنُسقط مشروع الاستعمار والاحتلال ونظام الفصل العنصرى، لنبنى مع أحرار العالم صرح الحرية والعدل والسلام».
أرأيتم كم أننا صغار وعهد التميمى هى الكبيرة، أرأيتم كم كانت صفعتها على وجوهنا جميعاً، على الوجوه الانهزامية بشكل خاص، أرأيتم كم كانت كلمات والدها صفعة على وجوه كل المنبطحين الرسميين، الذين لا يعون معنى الكرامة والشرف، أرأيتم كم أنه تم تضليل الرأى العام العربى سنوات طويلة فيما يتعلق بتضحيات الشعب الفلسطينى، أرأيتم حجم المؤامرات التى كانت ومازالت تُحاك للقضية الفلسطينية؟
مازلت أؤكد أن قرار ترامب كان البداية، إلا أن صفعة «عهد» ليست النهاية.
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation