الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان
عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها الإخوة المؤمنون!! يقول الله - جل في علاه -: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم كما استخلف الذين من قبلهم وليُمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فألئك هم الفاسقون)، فأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - موعودة بالنصر والتمكين في الأرض والاستخلاف، وهذا وعد من الله لا يتخلف ولا يتبدل، وقد تحقق هذا الوعد في صدر هذه الأمة لما قاموا بما أوجب الله عليهم من الإيمان، والعمل الصالح، فمكنهم الله من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن والتمكين التام، وهذا التمكين ليس خاصاً بصدر هذه الأمة بل هو عام وماض إلى قيام الساعة، لكنه مشروط بشرط الإيمان، والعمل الصالح؛ كما أن استمرار التمكين للأمة مشروط بقول الله - تعالى -: (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد ضمانات استمرار التمكين لهذه الأمة، بل إن الأمة ما نالت الخيرية على سائر الأمم إلا لقيامها بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع الإيمان بالله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فإن بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الإيمان بالله اتصال وثيق، لذلك وصف الله المؤمنين والمؤمنات بقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله)، ووصف المنافقين الذين انتقض الإيمان من قلوبهم على النقيض من ذلك تماماً فقال - سبحانه -: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم)، لذلك كان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليلاً على زوال الإيمان من القلب أو ضعفه كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان)) متفق عليه، وفي رواية: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)).
فمن ذلك نعلم يا عباد الله أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان في هذه الأمة، وأمان من الزيغ والطرد من رحمة الله، وإلا فانظروا في حال بني إسرائيل لما تركوا هذه الشعيرة بالكلية ماذا حل بهم؟ قال - تعالى -: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن من منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) هذا ما حلّ ببني إسرائيل لعن وطرد من رحمة الله، لأن المنكرات أصبحت تشكل فيهم ظواهر عامة، ولم تكن مقتصرة على بعض الأفراد فحسب، بل أضحى المنكر سمةً بارزةً من سمات المجتمعات الإسرائيلية، مع ما قوبلت به تلك المنكرات من الصمت، وترك التناهي؛ فحل عليهم الغضب من الله.
عباد الله:
إن المعصية والمنكر قد يوجدان في كل مجتمع وأمة؛ لكن طبيعة المجتمع المسلم حقاً لا تسمح أن يكون المنكر وأهله هم الذين يمثلون عرف المجتمع واتجاهه، فمن المؤشرات المرَضية الخطيرة أن يكون المنكر سهل التناول، سهل الظهور في المجتمع؛ فهو مبذول لمن أراده.
أما إن كان المنكر محارباً مع وقوعه، ولا يتمكن من الظهور علناً في المجتمع، ولو وقع شيء من ذلك أُدِّب صاحبُه؛ فإن هذا دليل على قوة ذلك المجتمع، وتحقق الخيرية فيه، فترى أهل الفساد في مثل ذلك المجتمع ضعفاء لا يتجرأ أحد منهم على إظهار منكره، فيكونون منبوذين محاربين من قبل عامة أفراد المجتمع.
أيها الأخوة المؤمنون:
إن الواجب علينا ونحن نتحدث عن هذه الشعيرة العظيمة أن نذكر نعمة الله فنشكرها بما من به علينا في هذه البلاد - حرسها الله - من إقامة هذا الواجب العظيم، وصبغه بالصبغة الرسمية، وهذا بلا شك يعكس سر التميز الواضح الذي تتميز به هذه البلاد النابع من تطبيق ولاة الأمر فيها للشريعة الإسلامية امتثالاً للآية المتقدمة (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) قال الضحاك: هو شرط شرطه الله على من آتاه الملك.
فشكلت الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو النظام الوحيد المطبق في العالم الإسلامي كله، فالرئيس العام لهذه الهيئات بمرتبة وزير.
وقد نفع الله بجهاز الحسبة في هذه البلاد نفعاً عظيماً، فهو سفينة النجاة، بل إن رجال الحسبة هم نجاة السفينة سفينة الأمة، يأخذون على أيدي السفهاء الذين يخرقون السفينة بحجة الحرية الشخصية قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) متفق عليه.
فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم ضمانات حقوق الإنسان لحمايته من التعدي والظلم، ومن لصوص الأعراض، ومدمري الأخلاق والعقائد.
فنسأل الله أن يجعلنا آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، وأن يرد كيد المفسدين في نحورهم إنه لقوي عزيز، بارك الله لي ولكم بالقرآن.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الأخوة المؤمنون إن المتأمل لكثير من وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة ليلحظ بدهشة عجيبة الهجوم غير المبرر على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المكر، وعلى رجالها، وتصوير أفعالهم بما تشمئز منه النفوس، واختلاق القصص والأحاديث الكاذبة عنهم، بل والمناداة بإلغاء جهاز الهيئة، كل ذلك يعكس لنا ما وصلت إليه الهيئة من مكانة مرموقة قد غضت بها حلوق أولئك النفر.
إن الذي يحارب هذا الجهاز المبارك ورجاله ما هو إلا أحد ثلاثة:
- إما جاهل عيي إمعة يقول ما يلقى إليه من بعض الصحف من أعداء الوطن، وأعداء هذه الجزيرة، وأعداء الحياة الإسلامية، أو من بعض القنوات العربية.
- وإما أن يكون ممن لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فيكره كل مظهر من مظاهر الانتماء لهذا الدين.
- وإما أن يكون منحرفاً شهوانياً منعه وجود الهيئة من ممارسة شهواته، وربما يكون قد سجلت عليه لدى الهيئة بعض القضايا، فناصبها العداء.
إننا حين نقول ذلك يا عباد الله لا ندعي لرجال الحسبة الكمال، أو أنهم معصومون من الخطأ؛ بل قد تصدر منهم بعض الأخطاء كما تصدر من غيرهم في باقي الوزارات، فلماذا تتصيد أخطاؤهم، وتضخم وتتلقى، وتنشر من غير تثبت ولا بصيرة، فهذا ليس من العدل والإنصاف؛ فإن المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، ولو طلب بإلغاء أي وزارة يصدر من منسوبيها أخطاء لما بقيت وزارة قائمة، بل إن معرفة الأخطاء طريق الوصول إلى الكمال البشري، والذي لا يخطئ فمعناه أنه لا يعمل.
فالواجب علينا تجاه رجال الهيئة الدعاء لهم بالتوفيق والتأييد، والوقوف بجانبهم ومؤازرتهم، وكذلك الدفاع عنهم وعن أعراضهم ((فمن رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فإن لهم والله من الجهود الجبارة ما يفوق الحصر، فكم سهروا في متابعة أوكار، ومنكرات، وشبكات، وواصلوا الليل بالنهار حتى تم لهم الظفر، وقضوا على أولئك المفسدين، فما أحسن أثرهم على الناس وما أسوأ أثر الناس عليهم.
فنسأل الله أن يوفقهم إلى ما يحبه ويرضاه، كما نسأله أن يقي بلادنا وبلاد المسلمين شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.