فضائل قيام الليل
يحيى نعيم محمد خلة
اعلم أنّ قيام الليل سنة مؤكدة، وقربة معظمة في سائر العام، فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه، والتوجيه إليه، والترغيب فيه، ببيان عظيم شأنه وجزيل الثواب عليه، وأنه شأن أولياء الله الذين قال الله في مدحهم والثناء عليهم: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 65].
ومدح الله أهل الإيمان والتقوى، بجميل الخصال وجليل الأعمال، ومن أخص ذلك قيام الليل، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 15 - 17].
وقد وصف المتقين في سورة الذاريات، بجملة صفات - منها قيام الليل - فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 15 - 17].
فصلاة الليل لها شأن عظيم في تثبيت الإيمان، والإعانة على جليل الأعمال، وما فيه صلاح الأحوال والمال.
وثبت في صحيح مسلم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".
لا تستغرب أخي المسلم من تقديم ذكر فضل القيام على غيره من طاعات شهر رمضان؛ فإن القيام مقدم على الصيام توقيتاً، فإذا ثبت عند المسلمين هلال رمضان فمن السنة صلاة القيام في تلك الليلة.
فإذا تبين أن القيام من خصال الخير، لما له من عظيم وجزيل الأجر، وأنه من خصال التقوى، التي فرض الله سبحانه الصيام لتحقيقها وتكميلها وتحصيل عواقبها الطيبة وآثارها المباركة، ظهر لك أن الصيام والقيام في رمضان متلازمان عند أهل الإيمان، فإن القيام في رمضان من الشعائر العظيمة التي سنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بقوله وفعله، ورغب فيها.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي الصحيحين أيضاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وهذا من أدلة فضل قيام رمضان، وخاصة العشر الأواخر منه- فإحياؤها من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - تحرياً لليلة القدر، طلباً لما فيها من عظيم الأجر.
وقيام رمضان شامل للصلاة، في أوله وآخره.
ويسن أن تكون صلاة القيام ركعتين ركعتين، ففي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " صلاة الليل مَثنى مثنى ".
وعدد ركعاتها: إحدى عشرة ركعة ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، كما جاء في الصحيحين عن عائشة وقد سئلت عن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً).