هذا مقال لسلطان العميري عبر صفحته علي الفيس بوك، ننتظر رأيكم؟
هل يدخل الاجتهاد في مسائل العقيدة ؟
جنس مسائل العقيدة تشمله دائرة الاجتهاد , ومعنى هذا الحكم أن بعض المسائل المندرجة ضمن علم العقيدة يقبل فيها الاجتهاد والتأمل والنظر للوصول إلى الحكم المناسب لها، كما هو الحال في الفروع المتعقلة بعلم الفقه.
والمراد بالاجتهاد هنا المعنى المقرر في علم أصول الفقه، وحاصله: بذل الجهد في التعرف على حكم شرعي من مظانه .
وهذا الحكم مبني على الحكم الأول والثاني، فإن كانت مسائل العقيدة ليست كلها من أصول الدين، وإنما بعضها من الفروع، وليست كلها مما يشترط فيها القطع، وإنما بعضها يكفي فيه النص، فإن ذلك مسوغ لدخول الاجتهاد فيها.
وفي تقرير أن بعض المسائل العقدية يدخلها الاجتهاد، ويصح الاعتماد فيها على بذل الوسع في معرفة حكمها من غير قطع ويقين مثل المسائل العملية يقول ابن تيمية: (ت728ه) بعدما ذكر انقسام مسائل العقيدة منقسمة في أحكامها التكليفية: (وإذا كانت قد تكون قطعية. وقد تكون اجتهادية: سوغ اجتهاديتها ما سوغ في المسائل العملية وكثير من تفسير القرآن أو أكثره من هذا الباب؛ فإن الاختلاف في كثير من التفسير هو من باب المسائل العلمية الخبرية لا من باب العملية).
وهذا الحكم هو أحد المقتضيات الضرورية للقول بأن مسائل العقيدة ليست كلها قطعية، وإنما بعضها ظني , فإن هذا يقتضي بالضرورة قبول الاجتهاد فيها؛ إذ الظن أحد أقوى مسوغات قبول الاجتهاد وبذل الوسع في معرفة الحكم، يقول ابن حمدان الحنبلي(ت695ه): (كل حكم يثبت بدليل ظني فهو اجتهادي؛ إذ لا اجتهاد مع القطع؛ فإن الاجتهاد بذل الوسع في طلب الحكم الشرعي بدليله).
ويدل على ذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف المتقدمين، فإنهم اجتهدوا في عدد من المسائل العقدية واختلفوا فيها نتيجة اجتهادهم، ولن يعنف بعضهم بعضا , وسيأتي ذكر أمثلة ذلك .
والاجتهاد المشروع في بعض المسائل العقدية يأتي من جهتين:
الأولى: من جهة ثبوت النص، فليست كل النصوص المتعلقة بالمسائل العقدية قطعية الثبوت؛ بل بعضها ظني يعتمد الحكم فيها على اجتهاد الناظر وما بذله من وسع وجهد في معرفة حال النص.
والثانية: من جهة دلالة النص، فليست كل النصوص الشرعية المتعلقة بالمسائل العقدية قطعية الدلالة، بل بعضها ظني، يعتمد الحكم فيها على اجتهاد الناظر وما بذله من وسع وجهد في فهم النص .
وبناء عليه فالاجتهاد قد يدخل في المسائل العقدية الغيبية من جهة تحديد دلالة النص عليها لا من جهة تحديد حقيقتها، أي: بعض القضايا الغيبية المتعلقة ببعض الأسماء والصفات أو ببعض قضايا اليوم الآخر لم ثبت إلا بالظن المبني على اجتهاد العالم وبذل وسعه في فهم النص الشرعي، فاجتهاده متعلقة بتحديد دلالة النص عليها وليس بإثبات أصلها بدون دليل معتبر ولا بإثبات كيفيتها.
ومن الأمثلة على ذلك إثبات اسم المحسن لله تعالى أو اسم الحفي , فهذان الأسماء وغيرهما لم يرد فيهما نص شرعي قطعي في ثبوته ودلالته، وإنما فيهما نص محتمل، تحديد مدلوله يقوم على الاجتهاد والظن، ولهذا تردد بعض العلماء في إثباتهما وتغير اجتهاده في بعضها.
وكذلك الحال في عدد من القضايا المتعلقة بمشاهد اليوم الآخر، هي محل خلاف بين العلماء، وخلافهم قائم على الاجتهاد وبذل الوسع في تحديد ثبوت النص ودلالته.
وإذا تثبت أن باب الاجتهاد ثابت الوقوع في جنس المسائل العقدية , فإنه لا بد أن يراعى في ذلك كل الشروط والضوابط الصحيحة المذكورة للاجتهاد، ولا يجوز الإخلال بها، وهي مفصلة في كتب أصول الفقه.
وقد خالف في هذا الحكم كثير من أتباع المدرسة الكلامية، وقولهم قائم على أصل باطل، وهو أن المسائل العقدية قطعية ولا يجوز الاجتهاد فيما هو قطعي.
ولكن الصحيح أن مسائل العقدية ليست كلها قطعية كما سبق بيانه، ونحن لم نقل إن الاجتهاد شامل لكل مسائل العقيدة، وإنما لبعضها مما تتوفر فيه شروط الاجتهاد كما سبق بيانه.
وخالف بعض العلماء والدارسين من أهل السنة، وقرروا بأن الاجتهاد لا يدخل مسائل العقيدة، أقاموا مذهبهم على أن مسائل العقيدة توفيقية فلا يجوز فيها الرأي ولا الاجتهاد، يقول الشيخ صالح الفوازان: (والعقيدة توقيفية ليست محلاً للاجتهاد، فإذا كانت كذلك فليس فيها مجال للتفرق، فالعقيدة مأخوذة من الكتاب والسنة، لا من الآراء والاجتهادات).
وهذا التقرير غير صحيح، فإنه لا تعارض الاجتهاد وبين التوقيف ووجوب الأخذ من الكتاب والسنة من حيث الأصل، وإنما التعارض بين الاجتهاد وبين القطع واليقين.
فالعلماء الذين قرروا مبدأ الاجتهاد وبحثوا شروطه وضوابطه كانوا يطبقون ذلك كله على أبواب توفيقية في أصلها بلا نزاع، كالأحكام التفصيلية في الصلاة والزكاة والصيام والحج وهي أبواب توفيقية، ولم يروا في ذلك تعارضًا، لأنهم طبقوها في الأحكام الاجتهادية غير القطعية، ولهذا توارد جمهور الأصوليين والفقهاء على التأكيد بأن مجال الاجتهاد في الأمور الظنية لا القطعية.
فكذلك الحال في مسائل العقيدة، فهي ليست كلها قطعية، وإنما بعضها ظني اجتهادي، فلا تعارض بين كونها توقيفية وبين دخول الاجتهاد فيها.
فكما أن مسائل الفقه منقسمة إلى ما لا يدخل فيه الاجتهاد لكونه قطعيًا ، وإلى ما يدخل فيه الاجتهاد لكونه ظني احتمالي، فكذلك الحال في مسائل العقيدة، فلا فرق بين النوعين.
وأما القاعدة المشهورة: (لا اجتهاد مع النص)، ففيها إجمال من جهة معنى الاجتهاد ومن جهة معنى المعية، ومن جهة معنى النص، ومما يمكن أن تحمل عليه أن يقال : لا يراد بالنص هنا كل دليل شرعي وراد في الشريعة , وإنما المراد به الدليل القطعي الواضح المحكم المانع للاجتهاد. سواء في الفقه أو في العقيدة أو غيرهما. انتهى كلامه
ارجو أن اليقن الرد مرتبًا مختصرًا محددًا في نقاط الاتفاق والاختلاف