تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
كيف تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
في الدَّعوةِ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أَحتَسِبُ في الدَّعوةِ؟
السُّؤالُ:
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
للأسف، في مُجتمَعِي سواءٌ في العملِ أو في المنزلِ أو في السُّوقِ أو في مُحِيطِ الأقاربِ، تكادُ المُنكَراتُ تشملُ جميعَ الجوانبِ من حيثُ اللِّباسُ، والحديثُ، والأفعالُ ... فلا أعرفُ أُنكِرُ على ماذا، وأَسكُتُ عن ماذا؟!! فأَسَرَنِي الحُزنُ ممَّا وصل إليه حالُ مُجتمَعِنا المسلم!
أسألُكم ما المَخرَجُ؟ وكيف أَحتَسِبُ في الدَّعوةِ؟
الجوابُ:
وعليكم السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على رسولِه الأمينِ، وعلى آلِه، وصحبِه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ؛ أختي الفاضلة: شَكَرَ اللهُ لكِ هذه الغَيْرةَ على المَحَارِمِ، والحرصَ على هدايةِ النَّاسِ ودعوتِهم إلى الخيرِ، وأسألُه سُبحانَه أن يكونَ هذا الهمُّ والحزنُ [هَمُّ الإصلاحِ، والحزنُ لدينِ اللهِ عزَّ وجلَّ] في ميزانِ حسناتِكِ يومَ تَلقَيْنَ ربَّكِ.
أمَّا بالنِّسبةِ لِمَا ذكرتِ من كثرةِ المُنكَراتِ، وتهاونِ النَّاسِ فيها؛ فهو أمرٌ ظاهرٌ للجميعِ، ولذلك أسبابٌ كثيرةٌ ليس هذا مجالَ عَدِّها، ولعلَّ مِن أعظمِها سببينِ:
الأوَّلُ: ضعفُ تقوى اللهِ في قلوبِ النَّاسِ، وعدمُ تعظيمِ أمرِه ونهيِه في النُّفوسِ.
الثَّاني: تركُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ.
فالأوَّلُ: من تقصيرِ العبادِ أنفسِهم في حقِّ ربِّهم.
والثَّاني: من تقصيرِ مَن رأى المُنكَرَ ولم يُنكِرْه، فتركُ الواقعِ في المُنكَرِ من الإنكارِ عليه، وعدمُ النُّصحِ له = هذا من أعظمِ أسبابِ انتشارِ المنكرِ وتَفشِّيهِ!
أمَّا بالنِّسبةِ لاستشارتِكِ عن كيفيَّةِ التَّعاملِ والاحتسابِ في الدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى في بيانِ الحقِّ، وإنكارِ المُنكَرِ؛ فإنِّي أُوصِيكِ وأُشِيرُ عليكِ بما يلي:
أوَّلًا: اليقينُ التَّامُّ بأنَّكِ تَقُومِينَ بأعظمِ وأَجَلِّ عبادةٍ، أَلَا وهي الدَّعوةُ إلى اللهِ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ، مهنةِ وعبادةِ الأنبياءِ الأُولَى.
ثانيًا: الإخلاصُ، والنِّيَّةُ الصَّالحةُ؛ فتَذكَّرِي وأنتِ تُقدِمِينَ على هذه العبادةِ الجليلةِ [أَلَا وهي الدَّعوةُ إلى اللهِ] أنَّكِ في عبادةٍ للهِ تعالى، والإخلاصُ للهِ تعالى في العبادةِ شرطٌ من شروطِ صِحَّتِها، فلا بدَّ من مُراقَبةِ اللهِ وأن يكونَ النُّصحُ خالصًا لوجهِه، والدُّعوةُ إليه، مُستشعِرةً في ذلك النِّيَّةَ الصَّالحةَ في محبَّةِ الخيرِ للغيرِ.
ثالثًا: التَّفاؤلُ؛ فالتَّفاؤلُ يزرعُ الأملَ، ويحفزُ على العملِ. وأمَّا التَّشاؤمُ فيُقصِّرُ الأعمارَ، ويقطعُ الأعمالَ، ولا يُمكِنُ لأحدٍ أن يَثبُتَ في الدَّعوةِ ويَظهَرَ أمرُه إلَّا أن يكونَ من سماتِه التَّفاؤلُ بالخيرِ، والحذرُ من التَّشاؤمِ.
وهنا أُنبِّهُكِ وأُحذِّرُكِ أشدَّ التَّحذيرِ من التَّشاؤمِ، وإساءةِ الظَّنِّ في العبادِ؛ فقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ. فهو أَهلَكُهم»[أخرجه مسلمٌ عن أبي هُرَيرةَ t]، وممَّا يَحمِلُ على التَّفاؤلِ تَذكُّرُ ما أَعَدَّه اللهُ للعامِلين والباذلين لدينِه من الأجرِ، فتَذكُّرُ الأجرِ يحفزُ على العملِ، قال ابنُ الجوزيِّ رحمه اللهُ تعالى: (تَلمَّحْ فَجْرَ الأجرِ يَهُنْ ظلامُ التَّكليفِ) [«المُدهِش» 1/93]، بمعنى: أنَّ مَن لاح له أجرُ العملِ هانت عليه مشقَّةُ التَّكليفِ.
رابعًا: العلمُ الشَّرعيُّ؛ فإنَّ العلمَ الشَّرعيَّ هو الَّذي يدعمُ الحجَّةَ ويُقوِّيها، ويُوضِّحُ المَحَجَّةَ ويُظهِرُها، يقولُ الحقُّ المُبِينُ:{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف: 108]، فكُلَّما ازددتِ علمًا قَوِيتْ حُجَّتُكِ، وبان لك الأمرُ فيما يحصلُ أمامَكِ، سواءٌ كان مُنكَرًا مُجمَعًا عليه، أو هو من بابِ سَدِّ الذَّرائعِ، أو هو ممَّا يسوغُ فيه الخلافُ، أو قد لا يكونُ مُنكَرًا أصلًا؛ فالعلمُ يُجلِّي الحقائقَ ويُوضِّحُ الأمورَ.
خامسًا: القدوةُ الصَّالحةُ؛ فالدَّاعيةُ يدعو بسَمْتِه أكثرَ من قولِه، وكم من داعيةٍ أَثَّرتْ في بناتِ جنسِها بسُلُوكِها وخُلُقِها أكثرَ من قولِها، فنحن في هذا الزَّمنِ نعيشُ أزمةَ قُدْواتٍ؛ فإنَّ الدُّعاةَ والدَّاعياتِ في هذا الزَّمنِ كُثُرٌ، والوُعَّاظُ والواعظاتُ أَكثَرُ، ووسائلُ الدَّعوةِ تَيسَّرتْ أسبابُها للنَّاسِ، وقد كَثُر الكلامُ وقَلَّ العملُ، وفُقِد القُدْواتُ! فنحن بحاجةٍ ماسَّةٍ لِمَن يكونُ قُدوةً صالحةً للعبادِ.
سادسًا: تَعلُّمُ فِقهِ إنكارِ المُنكَرِ، والأساليبِ النَّاجعةِ في الإنكارِ؛ بحيثُ لا يحصلُ من الإنكارِ مفاسدُ أعظمُ من المنكرِ الَّذي يتمُّ إنكارُه. ومن فقهِ إنكارِ المنكرِ ما يلي:
أ- التَّدرُّجُ في الإنكارِ، ويكونُ التَّدرُّجُ فيه كما جاء عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»[أخرجه مسلمٌ عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي اللهُ عنه].
ب- البدءُ في إنكارِ المنكرِ بالأخطرِ، ثُمَّ الَّذي يليه، فإذا كان هناك شِركٌ، وتَبرُّجٌ؛ فالبدءُ بالشِّركِ؛ لأنَّه الأخطرُ، ثُمَّ الَّذي يليه، وهذا هو المنهجُ النَّبويُّ.
ج- اللِّينُ في إنكارِ المنكرِ، وأخذُ النَّاسِ بالكلمةِ الطَّيِّبةِ في الدَّعوةِ إلى اللهِ، وهذه من أعظمِ صفاتِ نبيِّنا مُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- الَّتي امتَنَّ اللهُ عليه بها، يقولُ تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159]، فالنَّاسُ لا يُؤخَذُونَ بالشِّدَّةِ في الدَّعوةِ، ولا حتَّى في إنكارِ المنكرِ، فكم من مُنكَراتٍ عِظامٍ باللِّينِ وحُسنِ الطَّريقةِ أعان اللهُ على إزالتِها، وكم من أخرى صغيرةٍ بسُوءِ التَّعاملِ معَها تَعاظَمتْ وازدادتْ!
د- النَّصيحةُ الفرديَّةُ، فكم لها من الأثرِ في كثيرٍ ممَّن يتمُّ مُناصَحتُهم، فإنَّ بعضَ النَّاسِ يُفكِّرُ بتفكيرِ الجماعةِ، وينطلقُ من رغباتِهم لا مِن رغبتِه هو؛ وذلك لقصورٍ مُعيَّنٍ فيه، فالنَّصيحةُ والدَّعوةُ الفرديَّةُ لها أثرٌ واضحٌ، والنَّصيحةُ الجماعيَّةُ في الغالبِ لا تقبلُها النُّفوسُ، إلَّا إذا كانت للجماعةِ، وحولَ ذلك يقولُ الإمامُ الشَّافعيُّ رحمه اللهُ تعالى:
تَعمَّدْني بنُصحِكَ في انفرادٍ ... وجَنِّبْني النَّصيحةَ في الجماعَهْ
فإنَّ النُّصحَ بينَ النَّاسِ نوعٌ ... مِن التَّوبيخِ لا أَرضَى استِمَاعَهْ
ويدخلُ في النَّصيحةِ الفرديَّةِ استغلالُ بعضِ الوسائلِ الحديثةِ في النُّصحِ؛ كرسائلِ الهاتفِ المحمولِ، والبريدِ الإلكترونيِّ، وغيرِهما.
وممَّا ينفعُ في النَّصيحةِ أيضًا: إهداءُ الكُتيِّباتِ والأشرطةِ الخاصَّةِ بمثلِ هذه المنكراتِ.
ه- تكوينُ مجموعاتٍ احتسابيَّةٍ معَكِ، بحيثُ يعرفُ الجميعُ أنَّ الأمرَ ليس فرديًّا، وإنَّما يوجدُ الكثيرُ ممَّن يَدْعُونَ إلى اللهِ، ويُنكِرون المنكرَ، وهذا له أصلٌ في السُّنَّةِ، يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» [مُتَّفَقٌ عليه من حديثِ أبي هُرَيرةَ رضي اللهُ عنه]، فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ» أصلٌ في المجموعاتِ الاحتسابيَّةِ، وأنَّها أقوى في الإنكارِ وأظهرُ في البلاغِ.
و- انتهازُ الفُرَصِ، فقد تَتهيَّأُ فرصةٌ للنُّصحِ أو للإنكارِ غيرِ المباشرِ، فالأَوْلى المُبادَرةُ لمثلِ هذه الفرصةِ؛ كأن تُدعَى للحديثِ معَ مجموعةٍ أو تُسألَ عن مسألةٍ، أو يُطرَحَ موضوعٌ للنِّقاشِ، فيكون ذلك مدخلًا للدَّعوةِ والإنكارِ، بشرطِ أن تكونَ بالفعلِ فرصةً يَحسُنُ استثمارُها وانتهازُها.
ز- إذا كُنتِ تَعلَمِينَ أنَّه لا يمكنُ أن يتغيَّرَ المنكرُ؛ فلا يجوزُ الحضورُ في مثلِ هذه المجالسِ، وهجرانُها هو بحدِّ ذاتِه إنكارٌ لها ولأهلِها، يقولُ اللهُ تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النِّساء: 140]، قال الإمامُ القرطبيُّ -رحمه اللهُ تعالى- عندَ قولِه عزَّ وجلَّ: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}: (فكُلُّ مَن جَلَسَ في مَجلِسِ معصيةٍ، ولم يُنكِرْ عليهم؛ يكونُ معَهم في الوِزْرِ سواءً، وينبغي أن يُنكِرَ عليهم إذا تَكلَّمُوا بالمعصيةِ، وعَمِلوا بها؛ فإنْ لم يَقدِرْ على النَّكيرِ عليهم فينبغي أن يقومَ عنهم؛ حتَّى لا يكونَ من أهلِ هذه الآيةِ) [«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيِّ 5/268].
وقال ابنُ الجوزيِّ رحمه اللهُ تعالى: (وقد نبَّهتِ الآيةُ عن التَّحذيرِ من مُجالَسةِ العُصاةِ) [«زاد المَسِير» 2/228-229].
سابعًا: الصَّبرُ وتربيةُ النَّفسِ عليه، ومن أنواعِ الصَّبرِ: الصَّبرُ على طاعةِ اللهِ تعالى، وهو أعظمُها كما قرَّر ذلك الإمامُ ابنُ القيِّمِ في «مدارج السَّالكين» ، فما دام العبدُ في الدَّعوةِ فهو في طاعةِ اللهِ، والصَّبرُ على الطَّاعةِ من لوازمِها.
وإنَّ من لوازمِ الصَّبرِ على الطَّاعةِ: الصَّبرَ على ما يَترتَّبُ على تلك الطَّاعةِ، فعندَ إنكارِ المنكرِ يَلزَمُ الصَّبرُ على ما يَترتَّبُ عليه ذلك الإنكارُ من تَحمُّلِ ما يُصِيبُ العبدَ في ذلك، وهذا مُتقرِّرٌ، فقد قرَّره اللهُ في القرآنِ كما قَصَّ اللهُ علينا من نبأِ لُقمانَ وابنِه، يقولُ اللهُ تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[لُقْمان: 17]، فتَأمَّلْ في هذه الآيةِ: قيامٌ بالطَّاعةِ، ثُمَّ أمرٌ بالمعروفِ ونهيٌ عن المنكرِ، ثُمَّ صبرٌ على ما يُلاقِيه الآمرُ من الأذى بعدَ ذلك، فعليه بالصَّبرِ فإنَّه مِن عزائمِ الأمورِ، فإنَّ من لوازمِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ في الغالبِ أنَّه يَتبَعُه أذًى، فناسَبَ أن يُوصِيَ ابنَه بالصَّبرِ على الأذى بعدَ الحثِّ على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ.
ثامنًا: الاحتسابُ، فهو أعظمُ ما يَسُوقُ إلى العملِ، ويجعلُ الدَّاعيَ يَتلذَّذُ بكُلِّ ما يُلاقِيه في سبيلِه؛ لأنَّه يَحتسِبُ الأجرَ من اللهِ، ويرجو ما عندَ اللهِ لا ما عندَ غيرِه، فغيرُ اللهِ يرضى اليومَ ويَغضَبُ غدًا، ويغضبُ غدًا ويَرضَى بعدَه، وطلبُ رضا العبادِ مِن المُحالِ، فينبغي للمسلمِ ألَّا يَتعلَّقَ برضا العبادِ ويَتوجَّهَ إلى رضا ربِّ العبادِ جلَّ جلالُه، وطلب الأجر منه، وترك سواه.
تاسعًا: استشارةُ أهلِ العلمِ والدَّعوةِ في مثلِ هذه المنكراتِ، وكيفيَّة التَّعاملِ معَها؛ فإنَّ لاستشارتِهم أعظمَ الأثرِ في نجاحِ الدَّعوةِ وإزالةِ المنكراتِ.
أخيرًا، وليس هو بآخِرٍ، بل أَخَّرتُه لِيَعلَقَ في الذِّهنِ، ويُحفَرَ في القلبِ: كثرةُ الدُّعاءِ واللُّجوءِ إلى اللهِ تعالى، والانطراح بينَ يديه سبحانه، ويكونُ سؤالُ اللهِ بأن يَهدِيَكِ ويُسدِّدَكِ في جميعِ أمورِكِ؛ فقد كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُوصِي عليَّ بنَ أبي طالبٍ -رضي اللهُ عنه- بدعاءِ اللهِ بالهدايةِ والسَّدادِ؛ فعنه -رضي اللهُ عنه- قال: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «قُل: اللَّهُمَّ اهْدِني وسَدِّدْني. وَاذْكُرْ بِالهُدَى هِدايتَكَ الطَّرِيقَ، والسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ»[أخرجه مسلمٌ]، فإذا وُفِّق العبدُ إلى الهدايةِ والسَّدادِ فقد هُدِي.
أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يُثبِّتَكِ على الحقِّ، وأن يَشرَحَ صدرَكِ، وأن يُيسِّرَ أمرَكِ، ويُفرِّحَ قلبَكِ، ويُقوِّيَ عزمَكِ، ويُعِينَكِ على أمورِ دينِكِ ودُنياكِ.
واللهُ تعالى أعلمُ وأحكمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ.
أشار بها
الفقيرُ إلى عفوِ سيِّده ومَوْلاه
د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ
;dt HQpjQsAfE td hg]~Qu,mA?