الصحبي بن فرج
عملية بنقردان الأولى والثانية سلكت نفس السيناريو الكلاسيكي لداعش في السيطرة على المدن البعيدة عن المركز كما وقع في سوريا والعراق وليبيا:
*هجوم أول لجس النبض واستكشاف ودراسة طريقة رد الفعل للقوات المدافعة وإعطاء الإشارة للخلاية النائمة بالاستعداد للتحرك
(السيارات رباعية الدفع كانت تسير في ارض مكشوفة وترفع أعلام داعش)
*هجوم ثان أقوى عددا وعدّة للسيطرة على المدينة بعد تصفية مراكز السيادة العسكرية والأمنية تمهيدًا لخروج الدواعش من جحوره بالمدينة وإعلانها إمارة إسلامية وتبايع دولة الخلافة
لم تغب سوى عمليات الدهم بالسيارات والشاحنات المفخخة، وربما تَرَكُوا هذه الوسيلة لهجوم قادم وهو ما يتعيّن على القيادات الأمنية والعسكرية أن تتحضّرُ له في المستقبل
يبدو أن الأجهزة العسكرية والأمنية كانت على بيّنة من المخطط الداعشي بناءً على ما بلغها من تقارير استخبارية جزائرية وامريكية وأوروبية حذّرت من مثل هذا الهجوم خصوصىا بعد الغارة الامريكية على مدينة صبراتة
يبدو إذن أن السلطات العسكرية قد استفادت من دروس الهجوم الاول واستعدت كما يجب للهجوم مما يُفسّر سرعة ردّة الفعل والسيطرة السريعة على مسرح العمليات والاجراءات الاحترازية الآلية التي تم تفعيلها (حضر الجولان، إغلاق جربة وجرجيس.).
بين عمليتي بن قردان الاولى والثانية سجّلنا عمليات تمشيط واسعة واعتقالات في أوساط دينية متطرّفة يبدو أنها على علاقة بالخلاية التي جُهّزت للانقضاض على المدينة، بينما كان تصدّي قوات الثكنة العسكرية حاسمًا لإجهاض العملية برمتها.
الإرهابيون راهنوا على انضمام المواطنين في بنقردان إلى الهجوم ولكن تمسّك أبناء هذه المنطقة الحدودية بدولتهم وجيشهم الشعبي وأمنهم الوطني خيّب آمال داعش وأفسد حساباتهم.
العملية الأخيرة مكّنت من ملاحظة الجهوزية التامة لقوات الجيش والأمن التونسي على مستوى والتخطيط والتنسيق واليقظة والانتباه وسرعة ردة الفعل وجدوى التدخل (انتهت العملية خلال ساعات بمقتل وأسر جميع المهاجمين مع تعطيل عمل الخلايا المندسة مع وجوب الإشارة إلى أن غالبية المهاجمين خرجوا من داخل المدينة، وهو ما يحيلنا على خلل واضح في العمل الاستخباراتي الداخلي، الذي لم يتمكن من التفطّن لوجود هذه العناصر وتمركزهم داخل بنقردان منذ أيام أو أسابيع.
العملية أظهرت أيضا مدى الالتحام الكامل للمواطنين في بنقردان بدولتهم وعمق تمسّكهم بمؤسساتها وهم الذين طالما أتهموا بأنهم يشكلون حاضنة شعبية للارهاب.
رحم الله شهداءنا وأعزّ جندنا ونصر شعبنا على تتّار العصر