يا حسرة على العباد!
د. فاطمة مفلح العبداللات
هي حسرة مؤلِمة مؤثِّرة؛ لأنها حسرة النهايات، نهاية الاستهزاء بالموعظة، ونهاية الإنسان بموته وفَنائه، ولكن إلى حين، وحَسرة الوقوف للحساب يوم الحساب.
هي حسرة مُؤلِمة، ولا سيَّما وقد سبَقها نعيم، وحياة، ومُتعة، متعة وجود الذُّرية أمام الأعين المُؤَمِّلة عُمرًا طويلاً قويًّا غيرَ مُنْتَهٍ كما يُظَنُّ، ومتعة الأكل لثمار لَم يَصنعها هو ولا غيره، ولجنات لَم يُرَكِّب تُرابها، ولَم يُنشئ بذورَها، ولَم يُفَجِّر ماءها، ورغم ذلك استمتَع بلذَّة أكْلها.
حسرة على غافلٍ لغَفلته عن تَلقِّي الإشارات المُنبعثة مما ومَن حوله، بل ومن نفسه، أفلا يعقل؟! فليَنظر إلى النهار وزواله إلى نقيضه، وإلى الشمس ودَورانها، وإلى دِفء أشِعَّتها التي تَحمل الحياة والتفاؤل لكلِّ الكائنات، وإلى القمر وتدرُّجه؛ قوةً وضَعفًا، جمالاً وشحوبًا، بدرًا ومُحاقًا، وإلى البحر واتِّساعه، وعُلوِّ أمواجه، وعظيم دَفائنه، وإغراقه لأكبر السفن، ومَن ومَا فيها.
حسرة على مُعرض عن ذِكر ربِّه، غير مُتَّقٍ له، بل وباخِل في إنفاق مالٍ لَم يكن له قوة في جَلْبه من عدمٍ، بل هو قدرٌ مقدور له من ربٍّ قدير، رزاقٍ لِمَن يشاء.
حسرة على بخيل مُتكبِّر، لا يريد إنفاقًا، بل ويُجادل مُستهزئًا قائلاً: لو أراد الله، لأطعَم الفقراء، ونَسِي أو تَناسى أنه لولا الله، لَمَا استطاع هو نفسه أن يجدَ لُقمةً يأكلها، فكيف بابْتِلاعها؟!
ألا ينظر إلى قدرة الله فيه، وفيمَن حوله، وبما حوله؟! ألا يتأمَّل الماضي القريب والبعيد أيضًا، وفي السلف من الأجداد، وفي مصارع الأُمم والظالمين، وفي نفسه المُتقلِّبة؛ بين عافية ومرضٍ، وغنًى وفقرٍ، وراحة وتعبٍ، وراحة بالٍ وتعكُّر مزاج؟! ألا يُفكِّر أحدُنا في ذلك؟!
فرُبَّما انقَلَب الحال؛ لأنَّ دوام الحال من المحال.