أحوال العالم الإسلامي والجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
لقد كان القرن الثاني عشر الهجري الموافق للقرن الثامن عشر الميلادي يعد حقيقةً من أعظم عصور الانحطاط التي مرت على العالم الإسلامي من جميع نواحيه الدينية والسياسية والعلمية والاجتماعية، فكانت الدولة العثمانية تعيش مرحلة شيخوختها، وكان العدو المتربص من الدول الاستعمارية ( وهي أحق أن توصف بالاستدمارية ) النصرانية ينتظر وفاة من أسمته " بالرجل المريض" وقد بلغ المرض شأواً عظيماً بهذا الشيخ الهرم بعد هزيمته أمام النمسا وروسيا والبندقية وغيرها من الدول النصرانية بتوقيعهم ما يسمى " صلح كارلو فتسي" عام 1110هـ ( 1699م ) وهو وثيقة انهزامهم عن حماية بلدانهم الإسلامية من هذه الدول النصرانية ، فضعف نفوذهم واستغل الأمر بعض الوزراء الذين كان أصلهم من عناصر أجنبية أوروبية من يهود الدونمه وماسون سالونيكا المتظاهرين بالإسلام ومن المعجبين بكفر الصارى وإلحاد القوميين والعلمانيين ، حتى انقلبت الدولة العثمانية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال، وقام كثير من الولاة والأمراء بالخروج عليها وتكوين حكومات مستبدة وضعيفة، لا تستطيع إخضاع من في حكمها ، فكثر السلب النهب وفد الأمن. (1)
- فكانت الدولة الصفوية الرافضية خجرا مسموما يطعن ويحارب الدولة العثمانية؛ لأنها منسوبة إلى السنية بتحريض من الإنجليز.
- وفي الهند كانت الدولة المغولية التي كانت تجمع بين الرفض والتصوف الغالي وقد قام فيها الشاه ولي الله الدهلوي ( ت 1176 هــ ) بجهود إصلاحية كبيرة .
لكن سرعان ما طمعت فيها البرتغال وأشعلت فيها الحروب الداخلية بسبب فساد ملوكها حتى تغلب فيها الهندوس واستعمرتها شركة الهند الشرقية الإنجيزية سنة 1175هــ.(2)
- وفي المغرب الأقصى قامت دولة العلويين عام 1075هــ لكنها دولة إقليمية محدودة انتشرت فيها الفتن بسبب الحرببين العرب والبربر وانتشرت فيها الصوفية على الطريقة الشاذلية .
- وفي غرب إفريقيا كانت مجموعات إمارات الهوسا المتناحرة وفي أواسط آسيا كانت روسيا النصرانية قد استولت على تركستان الشرقية وإمارات وادي نهر سيحون .
- أما الصين فقد شقي من فيها من المسلمين على أيدي أسرة "المانشو" إرضاء للبوذيين.
- أما أندونيسيا فكانت ممالك صغيرة سادتها الخلافات الداخلية وانتشرت فيها البدع ومخلفات جاهلية الهند والصين الخرافية القديمة وتغلبتعلى مقدراتهم الشركة الهولندية.(3)
- أما الجزيرة العربية فلم تكن أحسن حالا من تلك الأمصار :
فأواسط الجزيرة والأقاليم النجدية التي نشأ فيها الشيخ لم تشهد نفوذا للدولة العثمانية، وما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون.(4)
وإنما كانت ممزقة بين إمارات صغيرة متعادية ومتفككة؛ في كل قرية أمير، وفي نفس الوقت يتهدده طامع في إمارته وربما يكون أقرب أقربائه، فكان كل أمير يتربص بالآخر ويتحين فرص الوثوب عليه، وقد وصل الحال إلى أن القرية الواحدة تتمزق بين أميرين متعاديين أو ثلاثة أو أكثر كل يدعي لنفسه الولاية. (5)
- أما الحجاز فقد كان يحكمه الأشراف تحت سلطان الدولة العثمانية لكن كان هؤلاء الأشراف في منازعات بينهم وحروب كانت تقوم بين الأخ وأخيه والعم وابن أخيه وتهدر فيها الدماء وتستحل الحرمات فكان معدل ولاية الأمير على مكة سنة أو سنتين لكثرة الغدر والإغتيال والخلاف، وكان من هوانهم على السلطان العثماني أنه يوكل أمرهم أحيانا إلى واليه على مصر، وكان والي مصر يولي من يشاء ويعزل من يشاء باسم السلطان، ولقد تعاقب على إمارة مكة خلال القرن الثاني عشر وحده ثلاثون شريفا لم ينعم واحد منهم بالاستقرار، وصارت السلطة مثار نزاع لا نهاية له. (6)
- وكذلك الأحساء كانت تحت الهيمنة التركية حتى انقطع ذلك باستقلال زعيم بني خالد براك بن غرير بالأحساء عن الدولة العثمانية سنة 1080هــ .(7)
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1) انظر : عقيدة الشيخ محمد بن عبد لوهاب السلفية وأثرها في اعلم الإسلامي د. صالح العبودص 25 ، وكتاب : انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية لمحمد كمال جمعة ص 26 .
(2) ينظر كتاب انتشار دعوة الشيخ ص 24 ، وعقيدة الشيخ ص 27 .
(3) المصدر السابق ص 36 - 38 ، وعقيدة الشيخ ص 28 - 29.
(4) تاريخ البلاد العربية السعودية د. منير العجلاني ص 28 ، وانظر عقيدة الشيخ ص 23، وحركة التجديد والإصلاح في نجد د. عبد الله بن محمد العجلان ص 20 .
(5) ينظر مثالا على ذلك: عنوان المجد لابن بشر 1 / 124 ، 159 - 160.
(6) عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 24 .
(7) إسلامية لا وهابية د. ناصر العقل ص 18.