نصر عبده
مناورات ذات الصواري هي مناورات عسكرية بحرية تجريها القوات البحرية المصرية، أقيمت المرحلة الرئيسية للمناورة يوم الثلاثاء الموافق 22 أكتوبر 2014 في الإسكندرية، وبدأت فعاليات المناورة أمس الخميس الموافق 17 مارس الجاري، والتي تنفذها عشرات القطع البحرية من مختلف الطرازات، وباشتراك عناصر من الوحدات الخاصة البحرية، وطائرات اكتشاف ومكافحة الغواصات.
تتضمن المناورة عديدًا من الأنشطة، والبيانات العملية للتدريب على مهام العمليات من بينها تأمين نطاق القوات البحرية، وخطوط المواصلات، وحركة النقل البحري، وتأمين الوحدات البحرية ضد مخاطر الألغام، وتنفيذ جميع الدفاعات بالبحر ضد الأهداف المعادية، وتنفيذ رمايات بالصواريخ "السطح سطح"، و"السطح جو"، والمدفعيات، والطوربيدات، وقذائف الأعماق.
وإذا عدنا إلى معركة ذات الصواري، نجد أنها معركة بحرية حدثت عام 655 ميلادية، 35 هجرية، بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، وانتهت بنصر المسلمين.
ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط، كما أنها أول معركة بحرية يخوضها المسلمون.
سبب التسمية:
ويرجع سبب تسمية المعركة بذات الصواري، إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت فيها من الجانبين؛ ويذكر البعض أن هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي دارت قريبًا منه، وفي ذلك قال الطبري: "فركب من مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب أو ستمائة".
ويضاف إلى ذلك أن المكان الذي دارت المعركة قريبًا منه اشتهر بكثرة الأشجار التي تستخدم أخشابها في صناعة صواري السفن، ومما يلفت للنظر أن المكان الذي دارت فيه هذه المعركة، وهو ساحل الأناضول، يزدحم بغابات السرو الكثيفة وهو الشجر المستخدم في صواري السفن.
أسباب المعركة:
أما عن أهم أسباب المعركة، فتتمثل في، إجهاض قوة البحرية الإسلامية النامية، ويبدو أن الغارات التي انتهت باحتلال الجزيرة، أثارت حماسة الدولة البيزنطية نحو البحر، ودفعتها للقيام بعمليات بحرية جديدة، وكان هذه العمليات قد توقفت منذ فشلها في معركة الإسكندرية عام 645 م - 25 هـ.
وعلى الفور أعدّ قنسطانز الثاني خليفة هرقل أسطولًا كبيرًا تراوح عدده من 700 إلى 1000 سفينة شراعية، والتقى هذا الأسطول في السنة ذاتها بأسطول صغير مشترك بين العرب والمصريين مكون من 200 سفينة أقلعت من شواطئ سورية قرب " فونيكس"، بآسيا الصغرى، وتعرف هذه الواقعة بواقعة "ذات الصواري".
وبدأ العرب في تحدي سيادة بيزنطة البحرية، وهزموا أساطيل الإمبراطور قنسطانز الثاني، واستولوا على بعض الجزر شرقي البحر الأبيض المتوسط، وفي البحر استولى المسلمون على "رودس" 654 م، وهزموا أسطولًا بيزنطيًا يقوده قنسطانز بنفسه في معركة بحرية عظمى خارج ساحل ليكيا ¬"655 م".
وأخاف النشاط المتزايد من قبل العرب أخاف بيزنطة بحيث إن الإمبراطور قنسطانز الثاني "642-668 م"، فجمع عددًا من المراكب لم يجمعها من قبل تزيد على ألف مركب، وسار بها بقصد ملاقاة أسطول العرب، أو بقصد احتلال الإسكندرية العظمى كبرى موانئ البحر الأبيض، فخرجت إليه أساطيل العرب في أعداد كبيرة بقيادة عامل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
أيضًا كان من أسبابها، إجهاض تدابير المسلمين لغزو القسطنطينية عاصمة بيزنطة، وذلك هو ما يراه المؤرخ البيزنطي "تيوفانس" حيث جهز معاوية الجيش وزوده بأسطول ضخم قاصدًا محاصرة القسطنطينية، وأمر بتجميع الأسطول كله في طرابلس فينيقيا، فلما علم بذلك إخوان نصرانيان من أهل المدينة، هاجما السجن وحطما الأبواب وأطلقا سبيل المحجوزين جميعًا، ثم هاجموا رئيس المدينة وقاتلوه ورجاله كلهم وهربوا إلى تخوم الروم، غير أن معاوية لم يغير رأيه في حصار القسطنطينية، بل جاء بجيشه، إلى قيصرية وكيادوكيا، وعيّن أبولا باروس قائدًا للأسطول، فقدم هذا فينيقيا إلى مكان في ليكيا، حيث كان الإمبراطور قنسطانز مقيمًا بمعسكره وأسطوله ودخل معه في معركة بحرية.
وكان من أسبابها أيضًا، حرمان المسلمين من الحصول على الأخشاب اللازمة لصناعة السفن، وهذا السبب جاء كسبب محتمل لمعركة ذات الصواري، ومما يلفت النظر أن المكان الذي دارت فيه المعركة، وهو ساحل الأناضول، يزدحم بغابات السرو الكثيفة، وهو الشجر المستخدم في صواري السفن، ولعل البيزنطيين قرروا القيام بتلك المعركة ليحولوا بين الخشب اللازم لصناعة السفن هناك، وبين وقوعه في قبضة العرب، وإذا صح هذا الزعم فإنه يقوم دليلًا على أهمية الخشب في الصراع البحري بين العرب وبيزنطة.
الآثار الإستراتيجية للمعركة:
أهم آثار معركة ذات الصواري تتلخص في نقطتين رئيسيتين:
انتصار المسلمين على عدو متفوق في العدد والعتاد ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها قوة الإيمان والعقيدة والإدارة السليمة والاستثمار الأمثل للقدرات، وانتهاء عصر السيادة البيزنطية على البحر المتوسط.