همسة وصرخة
تامر الشبينى
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه.
أمَّا بعدُ:
فمن المعلوم بمكانٍ لدى كلِّ العقلاء في كلِّ زمان - أن الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأجلِّها، وأعظمها وأفضلها، ويكفى في شرفها أنَّ الله - عز وجل - حينما تحدَّث عن حامليها أورَد الحديث عنهم بصيغة الأحسن، ولَم يُورِده بصيغة الحسن، فقال: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
بيد أنَّ حال الدعاة اليوم يُدمي القلبَ، ويُوجع النفسَ، ويُدمع العينَ؛ وذلك لِما نراه من رَثاثة حالهم، وقلة دَخلهم، وشِدَّة عوزهم، وهذا ما حدا بجموعهم إلى أن يتركوا ما تفرَّغوا من أجله، إلى ما تَرَفَّعُوا عن طلبه، فمن حِرَفي بالكهرباء، إلى مِهَني بالسباكة، مرورًا بسائق سيارة... إلى آخر القائمة التي تطول وتطول، وتجعل القلم يكتب ويقول: آهٍ، ثم آهٍ، ثم آهٍ من أُمة لا تُكَرِّم دُعاتها، ولا تَرفع شأن علمائها، بل وتَزدرِيهم في وسائل إعلامها.
إنَّ اليهودَ عبدوا أحبارهم، والنصارى ألَّهوا رُهبانهم، أما المسلمون فقد وَطِئُوا بالأقدام على دُعاتهم وعلمائهم.
إنَّ الدُّعاة هم مصابيح هذه الأُمة التي تُنير الدَّرب، وتُمهِّد الطريق، وتكشفُ الزيفَ، وترتق الفَتْقَ، وتَحيص الشَّقَّ، وتُحِق الحقَّ، وتُبطل الباطل، وتُنادي بأعلى صوتها صادحةًًَََ قائلةً: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]
إنَّ الدَّعوة الإسلاميَّة لن يُؤتى أُكلها، ويُنتَج ثَمرُها، ويَظهر أثرها، إلاَّ حينما تُرَدُّ للداعية كرامته، وتُعاد له هَيبته، من خلال رِِفعة شأنه، وتحسين دَخله، وإعلاء قدره، وهذا لن يتمَّ بإعطائه فُتاتَ الأموال ومعسول الأقوال.
إنَّ الدعوة تحتاج إلى الرجال، والرجال يحتاجون إلى إعدادٍ وبناء، ونفقة وعطاءٍ؛ حتى لا يكون صوت دُعاتنا هو الصفير والتَّصْدية والمُكاء.
إن الداعية حينما لا يجد مَن يَعتني بشؤونه وأحواله، ويسمع أنينه وشكاته، لن يُحرِّك ساكنًا في دعوته، ولن يسكن متحرِّكًا، ووقتها لن نجد للداعية لسانًا يَنطق، ولا عقلاً يُفكِّر، ولا قلمًا يكتب.
إن على المسؤولين عن أمر الدعوة والدُّعاة اليوم، أن يعلموا أننا لا نشتري بكلماتنا هذه عطفَهم، ولا نَستدر دمعهم، وإنما نطالب بإعلاء صَرْح الدُّعاة؛ حتى يرتفع صوت الدعوة، وبسماع صوتهم؛ حتى يصل للناس صوت الكلمة.
وختامًا:
إننا نعتزُّ بدعوتنا، ونفتخر بمِهنتنا، وتُناطح رؤوسنا الجوزاء؛ حتى تصل إلى السماء.