قال ابن الجوزي رحمه الله وغفر له:
- ينبغي لكل ذي لب وفطنة أن يحذر عواقب المعاصي، فإنه ليس بين آدمي وبين الله تعالى قرابة ولا رحم، وإنما هو قائم بالقسط، حاكم بالعدل. وإن كان حِلمه يسع الذنوب، إلا أنه إذا شاء، عفا، فعفى1 كل كثيف من الذنوب، وإذا شاء أخذ باليسير. فالحذر الحَذَرَ!
- ولقد رأيت أقوامًا من المترفين، كانوا يتقلبون في الظلم والمعاصي باطنة وظاهرة، فتعبوا من حيث لم يحتسبوا، فقلعت أصولهم، ونقض ما بنوا من قواعد أحكموها لذراريهم، وما كان ذلك إلا أنهم أهملوا جانب الحق عز وجل، وظنوا أن ما يفعلونه من خير يقاوم ما يجري من شر، فمالت سفينة ظنونهم، فدخلها من ماء الكيد ما أَغْرَقَهُمْ.
- ورأيت أقوامًا من المنتسبين إلى العلم، أهملوا نظر الحق -عز وجل- إليهم في الخلوات، فمحا محاسن ذكرهم في الجلوات2، فكانوا موجودين الكمعدومين، لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلب يحن إلى لقائهم.
فَاللهَ اللهَ في مراقبة الحق عز وجل؛ فإن ميزان عدله تبين فيه الذرة، وجزاؤه مراصد للمخطئ، ولو بعد حين، وربما ظن أنه العفو، وإنما هو إمهال، وللذنوب عواقب سيئة.
----------------
1 عفى: محا وأزال.
2 الجلوات: عكس الخلوات.
كتاب صيد الخاطر [ابن الجوزي] ص 148
الشاملة الحديثة