الحفاظ على الفطرة (1)
كتبه/ شريف طه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالإسلام هو دين الفطرة التي خَلَق الله تعالى الخَلْقَ عليها، وأمرهم بعدم تغييرها وتبديلها، فقال تعالى: "فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ".
- وبيَّن تعالى أنَّ شياطين الإنس والجن يسعون لتغيير هذه الفطرة وقلبها، كما قال تعالى مبينًا ما قاله الشيطان: "وَلَآمرنهم فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا".
- وهذا التغيير يكون بتغيير دينهم الذي فطرهم الله تعالى عليه، وهو الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في الحديث القدسي الصحيح أنه قال: "وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُم ْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا".
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ"، ولم يقل في الحديث: "أو يسلمانه"؛ لأنه يُولَد مسلمًا.
وليس المقصود أنه يولد عارفًا بالإسلام، وإنما المقصود: التهيئة لقبول الإسلام؛ فالفطرة السوية كالأرض المهيَّئة للحرث، بمجرد نزول الماء عليها تنبِت بإذن الله تعالى، وكذلك النفس البشرية السوية إذا سمعت نور الوحي اهتدت إلى دين الله تعالى.
- وقد رَوَى ابن جرير عن ابن عباس، وعكرمة ومجاهد والضحاك، والسدي والنخعي، وغيرهم من أئمة السلف أنهم قالوا في تفسير قوله تعالى: "وَلَآمرنهم فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ" أي: دين الله تعالى.
- وهذا يدخل فيه كل مخالفة لأمر الله، وكل أمر بمعصية الله تعالى؛ ولذا كان الآمرون بالمنكر والناهون عن المعروف من أعظم الناس إفسادًا في الأرض؛ لأنهم يبدِّلون فطرة الله، ويسعون لتغييرها! وهذا أعظم الفساد للعالم؛ قال تعالى: "الْمُنافقون وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ"، وقال تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا *إِنَّمَا *نَحْنُ *مُصْلِحُونَ . أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ".
وأعظم هذا المنكر: صرف الناس عن الإسلام؛ بنشر الإلحاد والكفر والشرك، ويدخل في ذلك تبديل الشريعة، واستحلال المحرمات وتحريم الطيبات؛ فإن هذا من أعظم ما يسعى له شياطين الإنس والجن، كما في قوله تعالى: "وَلَآمرنهم فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الْأَنْعَامِ *وَلَآمرنهم *فَلَيُغيرن *خَلْقَ *اللَّهِ".
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: "بتقطيع آذانها، وذلك كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحرام، فنبَّه ببعض ذلك على جميعه، وهذا نوع من الإضلال يقتضي تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، ويلتحق بذلك من الاعتقادات الفاسدة والأحكام الجائرة ما هو مِن أكبر الضلال".
- ولذا كانت العلمانية التي تأبى الانقياد لحكم الله تعالى، وتجعل المرجع أهواء البشر من أعظم أسباب الفساد وانتكاس الفطر، وتشويه النفس السوية، وبُعدها عن الطمأنينة والسكون؛ بسبب إعراضها عن ذكر الله ووحيه وشرعه، كما قال الله تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى".
ولا نعلم حضارة سبَّبت الشقاء والاضطراب النفسي لأصحابها، كما سببته الحضارة الغربية المبنية على العلمانية، حتى صار الاكتئاب هو مرض العصر، والانتحار ظاهرة ملحوظة، رغم ما امتلكته من الأسباب المادية التي ظنت أنها تستغني به عن دين الله تبارك وتعالى.
وللحديث بقية إن شاء الله.