منزلة الم*بة
كتبه/ ياسر برهامي
ال*مد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال ابن القيم -ر*مه الله- عن *ب الله تعالى: "هو *ياة القلوب، ونعيم الأروا*، وبهجة النفوس، وقرة العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة".
ف*ب الله هو *ياة القلوب؛ لأن القلبَ ي*يا ويموت، وهناك قلوب *ية وقلوب ميتة، فمن لم يذق *ب الله -عز وجل- فقلبه ميت: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَ*ْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (الأنعام: 122).
وهو نعيم الأروا* لا نعيم الأبدان، بل أعلى نعيم يمكن أن يدركه الإنسان إذا وجد *ب الله -عز وجل-، وهو بهجة النفوس فتبتهج النفوس وتفر* وتجد السعادة أعظم السعادة ب*ب الله -عز وجل-، وقرة العيون أي أنه تقر العيون به، أي تستقر وتطمئن، وتجد أعظم أنواع السكينة في *ب الله -سب*انه وتعالى-، وهو أعلى نعيم الدنيا وأعلى نعيم الآخرة لأنه ينظر إلى وجه الله في الآخرة *بًّا له، وإنما يريدون النظر إلى وجه الله -سب*انه وتعالى- لأنهم ي*بونه أعظم ال*ب، فمع الرؤية تكتمل الم*بة، فلذلك كان أعلى نعيم الدنيا والآخرة.
وقال -ر*مه الله-:
"منزلة الم*بة، وهي المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عَلَمها شمَّر السابقون، وعليها تفانى الم*بون، وبرَو*ِ نسيمها تَرَوَّ* العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأروا*، وقرة العيون، وهي ال*ياة التي من *ُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي مَن فقده فهو في ب*ار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه *لَّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
وهي رو* الإيمان والأعمال والمقامات والأ*وال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا رو* فيه، ت*مل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشقِّ الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي سراهم على ظهورها دائمًا إلى ال*بيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب.
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من م*بة م*بوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق -بمشيئته و*كمته البالغة- أن المرء مع من أ*ب، فيا لها من نعمة على الم*بين سابغة".
قوله -ر*مه الله-: "وإليها شخص العاملون"، جاء في لسان العرب: "شَخَصَ من بلدٍ إِلى بلدٍ شُخُوصًا أَي ذَهَبَ"، فمعنى شخَصَ الإنسان: أي خرج من داره في طلب شيء، والمراد أن العاملين يسعون إلى ت*قيق *ب الله -عز وجل-، فيصيرون بذلك م*بين لله، م*بوبين له -عز وجل-.
وقوله: "وإلى عَلَمِها شمَّر السابقون"، العَلَم: الجبل، ومنه قوله تعالى: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَ*ْرِ كَالأَعْلامِ) (الر*من: 24)، أي: كالجبال، شبَّهَها بالجبل الذي يُرى من بُعْد، فإذا رآه من يطلبه شمَّر عن ساعد الجد واجتهد في الطلب، فإنَّ العبد إذا ذاق م*بة الله -سب*انه وتعالى- عمل بأقوى وأشد ما يمكنه، ولم يدخرْ وسعًا أو يألِ جهدًا *تى يصل إلى غايته.
وقوله: "وعليها تفاني الم*بون" أي: يض*ُّون بكل غالٍ ورخيص من أجلها علامة على صدق ال*ب؛ فإن الم*بَّ يبذل كل ما يطلبه م*بوبُه، ولو كان أغلى ما عنده، كنفسه وأهله ووطنه، ولا يمكن أن توجد هذه التض*ية إلا مع لذة الم*بة التي هي أعظم من لذة ما يض*ي به، ومن هنا كان الم*ب الصادق مستعدًّا لأن يجودَ بنفسه وأن يض*يَ بها؛ لأن لذة الم*بة هي الدافع له، ولأنه يريد المزيد من القرب من الله -عز وجل- وم*بته.
وقوله: "وبرَو*ِ نسيمها تَرَوَّ*َ العابدون"، يشبِّه العابدين لله -عز وجل- بمن يسير في طريق فيه *ر ومشقة وتعب، ولا شك أن الطريق إلى الله -عز وجل- مليء بأنواع العقبات والتكاليف والمشاق؛ (أَ*َسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2)، فهذا كال*َرِّ الذي يصيبُ الإنسان في الطريق، وشبَّه الم*بةَ بالنسيم الطيِّب الذي يُري* السائر في هذا الطريق، فبرو* هذا النسيم ـ أي: برا*ته ـ تَرَوَّ* العابدون، أي: استرا*وا ووجدوا را*ة في طريق سيرهم، فهانت عليهم المصاعب والمشاق، وهان عليهم ما يجدونه من آلام وما يجدونه من أنواع المتاعب خلال الطريق بسبب وجود *ب الله تعالى في قلوبهم، ومن لم ي*ب الله -سب*انه وتعالى- فسوف يترك الطريق متى لاقى متاعب أو عقبات، ولكن من أ*ب الله -سب*انه وتعالى- فلن يترك الطريق مهما كانت العقبات والمتاعب والمشاق.
نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.