الدعاء عبادة
عبد الرحمن الضبع
لما كان الدعاء من أفضل العبادات وأحبها إلى الله تبارك وتعالى، جعلت حديثي هذا مقصوراً على الأدعية وفضلها، وذكر ما ورد عنها، بالقدر الذي يتسع له الفراغ المخصص.
فلقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالدعاء، ورغبنا فيه، وحثنا عليه فقال عز وجل يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ] {البقرة:186}. [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ] {البقرة:152}. وقال تبارك وتعالى:[وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] {غافر:60}. وقال:[ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً] {الأعراف:55}. وقال تعالى:.[قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى] {الإسراء:110} ,إلى غير ذلك من الآيات، فأطمع المطيع والعاصي، والداني والقاصي، في جوده وكرمه بقصده في حاجاتهم، ورفع أمانيهم ومظالمهم إليه.
وروي عن النعمان بن بشير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ:[وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ].
وروى الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلوات الله عليه قال: (الدعاء مخ العبادة)، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، وجاء من حديث رواه أنس رضي الله عنه : ( إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث: إما ذنب يغفر له، وإما خير يعجل له، وإما خير يدخل له) وقال: ( سلوا الله تعالى من فضله فإن الله تعالى يحب أن يُسأل، وأفضل العبادة،انتظار الفرج) وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يسأل الله يغضب عليه).
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى طريقة الدعاء، فقال: ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، وليصل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم ليدعُ بما شاء )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مُكره له).
وليس الدعاء موقتاً بوقت، ولا الإجابة مرهونة بزمن، فأبواب السماء مفتحة لا تغلق أبداً، ورحمة ربك نازلة سرمداً، وما علينا إلا أن نطيع الأمر، فندعو السميع المجيب، مصبحين وممسين، وفيما بين ذلك من أوقات الليل وساعات النهار، موقنين بالإجابة.
وهناك أيام وأوقات وساعات مفضلة، يتجلى المولى فيها على عبيده، والدعاء فيها لا يرد: يوم عرفة ويوم الجمعة، وما أشبههما، حيث تجتمع القلوب على التقوى، وتتعاون على استدرار رحمة الله، ووقت السحر، حيث يترك النائم لذيذ نومه، ويتوجه بالاستغفار والدعاء إلى ربه، صافياً قلبه، فارغاً من الشواغل، قال تعالى:[وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] {الذاريات:18}.وقال صلى الله عليه وسلم: ( ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ) وعند زحف الصفوف جهاداً في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعد إقامة الصلوات، فإن أبواب السماء تفتح عند ذلك، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه، وكذلك الدعاء حال السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى، وأما السجود، فاجتهدوا فيه بالدعاء، فإنه قَمِنٌ أن يستجاب لكم).
وللدعاء آداب مرعية: منها استقبال القبلة وقت الدعاء، ورفع اليدين حذاء المنكبين، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة، واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس!
وقال سلمان رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ربكم حيي كريم يستحي من عبيده إذا رفعوا أيديهم أن يردها صفراً ).
وروي عن أنس رضي الله عنه، أنه صلوات الله عليه، كان يرفع يديه، حتى يرى بياض إبطيه في الدعاء، ولا يشير بإصبعيه، وينبغي أن يمسح وجهه بيديه في آخر الدعاء، قال عمر رضي الله عنه: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء، لم يردهما حتى يمسح يهما وجهه ) ومن الآداب: خفض الصوت، وتجنب التكلف بالسجع والتضرع والخشوع، والرغبة، والرهبة، وحضور القلب، فإن الله تعالى لا يستجيب لغافل، ومنها الجزم بالدعاء، والاستيقان بالإجابة، ففي الحديث: ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) ومنها: أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً، قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً ) وينبغي ألا يستبطئ الإجابة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: دعوت لم يُستجب لي ) فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً، فإنك تدعو كريماً ) ومنها: أن يبدأ الدعاء بذكر الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما، وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألتم الله حاجة فابتدئوا بالصلاة عليَّ، فإن الله عز وجل أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما، ويرد الأخرى) وللاستغفار والتوبة عند الدعاء أثر أي أثر في الإجابة، نسأله سبحانه العفو والعافية في الدين والدنيا، والأهل والولد والمال، إنه تعالى سميع قريب مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم