من إعجاز قصة قارون
هاني مراد
الإشارة إلى أنه " {كان من قوم موسى} " فيها استحضار وإنذار لكل اليهود في كل زمان ومكان، ولا سيما يهود المدينة، لأنهم معروفون بالثراء وكنز الأموال، فلا يقفوا في طريق الرسالة الإسلامية، كما فعل قارون مع قومه من اليهود عندما "بغى عليهم".
وفيها تصوير لطبيعة اليهود الذين يكنزون الأموال، ويستمدون منها مصدر قوتهم على مرّ العصور!
وفيها استدعاء لنبي الله موسى ورسالته، وتوبيخ لقارون وأمثاله. فمع أنهم "من قوم موسى"، وهو من أكرم الرسل أولي العزم، إلا أنهم خانوا رسالته!
وتتجلى البلاغة القرآنية في إحدى أجمل صورها، حين يصف السياق كنوز قارون. فهذه الكنوز هي التي تنوء مفاتحها بالعصبة أولي القوة، وليست العصبة أولو القوة من الرجال الأشداء هي التي تنوء بالمفاتح. وإذا كانت تلك حال المفاتح، فكيف بالكنوز ذاتها؟
كما تصوّر البلاغة القرآنية ضعف منطق قارون وتهافته. فعندما يقول: " {إنّما أوتيته على علم عندي} "، أسند الفعل "أوتيته" للمجهول، مع أنه أكد الجملة في أولها بقوله "إنّما"، وادّعى في آخرها بقوله: "على علم عندي"! وفي ذلك بلاغة إعجازية تصوّر تناقض منطقه، عندما يسند ما آتاه الله تعالى إلى المجهول، ثم يدّعي بقوله: على علم عندي.
وإذا كان يدّعي العلم، فإن السياق القرآني يستخدم العلم ذاته في تجهيله وتسفيه حجته، فيستنكر عليه عدم العلم: " { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا } "
ويشعر القارئ بضآلة قارون مع ما كان يحوزه من كنوز وأموال وحرّاس، وما ارتكبه من كبر وكفران وبغي، عندما يستعرض النص القرآني المعجز مصيره في جملة قصيرة وسريعة ومباغتة، لكنّها موحية وحاسمة: " {فخسفنا به وبداره الأرض} ."