التذكير بمهمات تتعلق بالصيام والقيام
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله الذي بلغنا شهر الصيام، ويسر لنا ما شرع فيه من العبادات والأحكام، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
أما بعد:
فإني أهنئ نفسي وإخواني المسلمين ببلوغ هذا الشهر المبارك الذي جعله الله موسمًا تضاعف فيه الأعمال، وتعظم فيه الأجور، وتغفر فيه الذنوب, فما مر بالمؤمنين شهر خير منه، جعلنا الله من المسارعين في الخيرات السابقين إلى أعلى الدرجات.
• وبهذه المناسبة يحسن التذكير بأمور مهمة: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات:55]:
الأول: شكر الله تعالى حيث بلغنا هذا الشهر الكريم، فإن معنى ذلك أن الله تعالى قد أنعم علينا بأن مد في الأعمار، وأفسح في الآجال، فأعطانا فرصة لنستزيد من صالح العمل، ونتوب إليه من المعاصي قبل حلول الأجل، فإن من مات انقطع عمله، وإن الله تعالى يقبل التوبة ما لم تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها، وإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا, وخير الناس من طال عمره وحسن عمله.
وشكر الله واجب على كل حال، فالقادر على الصيام وغيره من أنواع الطاعات يشكر الله على إعانته وتيسيره الطاعات، وغير القادر على الصيام ـ شرعًا ـ يشكر الله على عذره وعفوه وما يسره له من الدين حيث لم يكلفه بما لم يقدر عليه، ولكن ليعلم الله من نيته الرغبة فيه، فإن نية المؤمن خير من عمله.
وكذلك غير الصائم يشكر الله تعالى على إدراك الزمن الفاضل الذي يُستجاب فيه الدعاء، ويُفضل الذكر، ويعظم فيه ثواب العمل الصالح الذي يمكنه عمله ولو لم يصم لعذره.
الثاني: أن نصوم أيام رمضان مؤمنين بشرع الله للصيام، وأنه سبحانه شرعه رحمة بنا وإحسانًا إلينا لما فيه من تحصيل المصالح الكاملة، ودرء المفاسد العظيمة ومحتسبين لثواب الله تعالى الذي وعد به الصائمين، فإن الصوم له سبحانه، وهو الذي يجزئ به جزاءً يليق بغناه وبكرمه وجوده ولشرف العبادة وعظم موقعها عنده، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وأن نحفظ صيامنا مما يبطله وينقصه.
الثالث: الحرص على قيام ما يتيسر من ليل رمضان؛ لما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
ومما أبشرك به ـ أخي المسلم ـ أنه صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».
فاحرص على القيام مع الأئمة في المساجد تفز إن شاء الله بذلك الخير العظيم.
ولعل صلاتك في المسجد المجاور لسكنك أو عملك أعظم أجرًا؛ لأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولما فيه من اختيار أيسر الأمرين، ولما فيه من تكثير سواد جيرانك في المسجد، وتنشيطهم على القيام، وذلك من التعاون على البر والتقوى.
وتعلم أخي المسلم ـ أننا قد نهينا عن التكلف، وأن ذهابك إلى المسجد البعيد قد لا يتيسر لك في كل الأحوال مع ما قد يجدّ لأهل بيتك من الحاجات الطارئة، مع أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره».
وروي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه كان له إمام حسن القراءة، فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد، فلما خرج الإمام أحمد نظر إلى الجمع فقال: ما هذا؟ تَدعُونَ مساجدكم وتجيئون إلى غيرها.
الرابع: الأمور التي اختلفت فيها أقوال أهل العلم، فمن قائل: إنها تفطر, ومن قائل إنها لا تفطر ومن متوقف فيها. ينبغي أن تحتاط لدينك بشأنها وهو اجتنابها نهار الصيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»، وقوله: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
الخامس: بعض الناس يصوم، فيدع طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله ـ وهذا حسن ـ ولكن يفطر على حرام؛ لأنه اشترى طعامه وشرابه من مال كسبه من حرام، فاحذر أن تكون من أولئك، فإن آكل الحرام لا تقبل صدقته ولا يستجاب دعاؤه، ولا يبارك له في نفقته ـ ويخشى ألا يقبل عمله.
ولعله من أجل التنبيه على خطر الحرام على الصيام وشؤمه على بعض الصوام أن الله تعالى ختم آيات الصيام في سورة البقرة بقوله: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:188].
والباطل خلاف الحق، وكل مالٍ أخذ بغير حق فهو حرام، مثل ما أخذ عن طريق الغش والسرقة والربا والميسر والرشوة وأثمان المواد والسلع المحرمة ونحو ذلك.
السادس: إن تيسر لك أن تعتمر في أي وقت من هذا الشهر الكريم دون تفريط في مسؤولية أو تقصير في واجب، فاحرص على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، وفي رواية: «حجة معي»، وقد يسر الله ـ وله الحمد ـ العمرة في هذا الزمان حيث يكفي لأدائها بضع ساعات، وليس من شرط العمرة طول الإقامة بمكة؛ بل متى ما فرغت من أنساكها بالحلق أو التقصير فقد تمت عمرتك.
جعل الله أعمال الجميع خالصة لوجهه، وزادهم من جوده وفضله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.