قاعدة (المشقة تجلب التيسير) معناها وتطبيقاتها العملية
عماد حمدي البحيري
تناولنا فى المقال السابق القاعدة الفقهية (الأمور بمقاصدها) وفى هذا المقال نتناول قاعدة المشقة تجلب التيسير، وهى من القواعد الفقهية الخمسة الكبرى، والمراد من التيسير التسهيل، بحيث تكون الأحكام الشرعية فى مقدور المكلف، بمعنى أن يقوم بها من غير عسر أو حرج وبدون مشقة، فإذا صار الإنسان فى حالة لا يستطيع معها القيام بالأمر على النحو المعتاد فإن الله سبحانه وتعالى يرخص له فى أدائها حسب استطاعته، وفى هذا رفع للحرج والمشقة عن الناس.
والمشقة التى تجلب التيسير، هى المشقة غير المعتادة، ذلك أن كل تكليف لا يخلو من مشقة عند القيام بتنفيذه ولكن الفرق شاسع بين المشقة التى فى وسع الإنسان أن يقوم بها، وبين تلك التى يعجز عن تحملها، فالثانية هى التى جعلها الله سببًا فى التيسير([1]).
وتأصيل هذه القاعدة من جهة الأدلة الشرعيةقوله تعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ {الآية185–البقرة}، وقوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ {الآية78–الحج}. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا)([2]). وقوله صلى الله عليه وسلم قال (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)([3]).
التطبيقات العملية للقاعدة([4]).
توجد لهذه القاعدة الفقهية العديد من التطبيقات العملية فى مجال المعاملات المدنية، وفى مجال العقوبات الجنائية، وكذلك فى مجال الأحوال الشخصية، ومن هذه التطبيقات ما يلى.
من تطبيقات القاعدة فى مجال المعاملات
جواز بيع الإنسان مال رفيقه وحفظ ثمنه لورثته بدون ولاية ولا وصاية إذا مات فى السفر حفاظًا على هذا المال، و جواز فسخ الإجارة بعذر السفر، وإعذار الشفيع فى تأخير طلب الشفعة إذا جهل الشفيع بالبيع، والإكراه إذا وقع وترتب عليه إبرام عقد فإذا زال الإكراه كان للمكره الخيار إن شاء أمضى العقد وإن شاء فسخه.
2. من تطبيقات القاعدة فى مجال العقوبات:
تأخير إقامة الحد على المريض غير حد الرجم إلى أن يبرأ، وإباحة المنهيات عند الضرورة، كإتلاف مال الغير، وشرب المسكر. ومن أسلم فى غير ديار المسلمين ولم تبلغه أحكام الشريعة، فتناول المحرمات جاهلاً حرمتها فهو معذور.
3. من تطبيقات القاعدة فى مجال الأحوال الشخصية
لو باع الأب أو الوصى مال اليتيم ثم ادعى أن البيع وقع بغبن فاحش وهو لا يعلم تقبل دعواه، ولو أجاز الورثة الوصية ولم يعلموا ما أوصى به الميت لا تصح إجازتهم لجهلهم، ولو اختلعت المرأة من زوجها على بدل ثم ادعت أنه كان طلقها ثلاثًا قبل الخلع وهى لم تكن تعلم ثم برهنت على دعواها فإنها تسترد البدل ويغتفر تناقضها الواقع فى إقدامها على الاختلاع لجهلها بالطلاق عند الاختلاع.
وترجع أهمية هذه القاعدة إلى أنه من خلالها يُعلم أن أحكام الشريعة مبنية على التيسير وعدم الحرج، وأن الشريعة الإسلامية مبنية على الرحمة. ومن أهم القواعد الفقهية المتفرعة عن هذه القاعدة: قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة، وقاعدة إذا ضاق الأمر اتسع([5]).
([1]) مبادىء الفقه الإسلامى، يوسف قاسم.
([2]) صحيح البخارى.
([3]) صحيح البخارى.
([4]) شرح القواعد الفقهية، أحمد محمد الزرقا.
([5]) المهارة الأصولية، سعد الدين هلالى.