من صور الشرك
الله و*ده الخالق، تفرَّد بالخلْق، فلا خالق غيره؛ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102].
وكل ما في الوجود بإيجاده، والإنسان مهما اخترع وخَلَق لا يقدر على خلْق مثل ما خَلَق الله؛ قال الله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11].
فلو *اوَل الإنسانُ أن يخلقَ ذبابًا أو ذَرَّة يجعلها مت*رِّكة بطبعها، ويركِّب فيها عينيها، وأذنيها، وأقدامها، ومفاصلها، ون*و ذلك - لا يستطيع، ولو اجتمع الخلْقُ على أن يخلقوا ذَرَّة أو بعوضة، فيها نفَس ورو*، و*ركة طَبَعية اختيارية، لم يقدروا على ذلك؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [ال*ج: 73].
نَقَلَ ابن كثير في تفسير قوله - سب*انه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] عن الإمام مالك: أن هارون الرشيد سأله: ما دليل قدرة الوا*د الأ*د؟
فقال الإمام مالك: اختلاف الأصوات، وتعدُّد اللَّهَجات، واختلاف النَّغَمات؛ تدل على فاطر الأرض والسموات.
ويقول الإمام أ*مد في تعريف لقُدرة الباري، ولزيادة الإيمان التي ت*دثها هذه الآيات: يا عجبًا! هذه البيضة، أما سط*ها ففضة بيضاء، وباطنها ذهبٌ إبريز، ألا تدلُّ على السميع البصير؟!
أيها المسلمون:
والتفَكُّر في عجائب الخلْق وأسراره يُثمر تعظيم الخالق ومخافته؛ قال تعالى واصفًا عبادَه المؤمنين: {وَيَتَفَكَّرُو َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْ*َانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ♦♦♦ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَا*ِدُ
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: كنتُ رِدْف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على *مارٍ، يُقال له: عفير، فقال: «يا معاذ، أتدري ما *ق الله على العباد؟ وما *ق العباد على الله» ؟، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن *ق الله على العباد: أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئًا، و*ق العباد على الله: ألا يعذب مَن لا يُشركُ به شيئًا»؛ (متفق عليه).
التو*يد ركن الدين وأساسه، وأصل الأمر ورأسه، وكلمة "لا إله إلا الله" هي العروة الوثقَى وكلمة التقوى، ولو وُزنت "لا إله إلا الله" بالسموات والأرض، لرج*ت بهن عند الله؛ ففي المسند بسند *سن، من *ديث عبدالله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن نو*ًا قال لابنه: آمرُك بـ"لا إله إلا الله"؛ فإن السمواتِ السبعَ والأرضين لو وضعت في كفة، ووضعت "لا إله إلا الله" في كفة، لرج*ت بهن "لا إله إلا الله"، ولو أن السموات السبع كنَّ *لقة مبهمة لقصمتهنَّ "لا إله إلا الله»؛ (أخرجه أ*مد والبخاري في "الأدب المفرد").
أيها المسلمون:
إن من أظلم الظلم، وأعظم الإثم: الإشراك بالله؛ {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ *َرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
من صور الشرك:
شد الرِّ*ال لزيارة قُبُور الأنبياء والصال*ين، والاستغاثة بهم، وطَلَب قضاء ال*وائج، وشفاء المرضَى، إلى غير ذلك؛ والله - جل وعلا - يقول: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، ويقول سب*انه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وزيارة القبور عامة إن كان القصدُ منها الزيارة الشرعية، فهذا لا بأس به، والزيارة الشرعية: أن يزورَ الرجل المقابر، ويسلِّم على أهلها؛ كما هي سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يزورَ المسلمُ المقابر، ويدعو لأهلها، ويقول: «السلام عليكم أهل الدِّيار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا*قون، يغفر الله لنا ولكم، اللهم لا ت*رمنا أجرهم، ولا تفتنَّا بعدهم».
فهذا سنة *ثَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليها، وأخبر أنها تُذَكِّر الآخرة.
أما الزيارات الشِّركيَّة، والتي يفعلها بعضُ الجَهَلة، الذين يظنون أن بعض أص*اب القبور يستطيعون أن يشفوا المرضى، أو يقضوا ال*وائج، ويأمرون الناس بالذهاب إلى المقابر، قبر الولي الفلاني، أو السيد الفلاني، ويطلبون منهم المدد، وما إلى ذلك - فإن ذلك شِرْك عظيم.
أيها المسلمون:
الغلوُّ في قُبُور الأنبياء والصال*ين، واتِّخاذها مساجد، وبناء القبب عليها، وإسراجها بالشموع والأضواء - ممَّا نهى عنه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعدَّه مظهرًا من مظاهرِ الشِّرك؛ قال: «اللهم لا تجعل قبرِي وَثَنًا يُعبَد، اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ اتخذوا قبورَ أنبيَائِهم مساجد»؛ (أخرجه مالك في "الموطأ").
وفي البخاري: أن عائشة وعبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قالا: "لما نزل برسول الله الموت طفق يطر* خميصة على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال - وهو كذلك -: «لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ي*ذر ما صنعوا.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: «إن من شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أ*ياء، والذين يتخذون القبور مساجد»، ر (واه أ*مد).
وروى *رب الكرماني، عن زيد بن ثابت: أن ابنًا له مات، فاشترى غلام له جَصًّا وآجرًّا ليبنيَ على القبر، فقال له زيد: *فرتَ وكفرتَ، أتريد أن تبنيَ على قبر ابني مسجدًا؟! ونهاه عن ذلك.
ويقول العلامة الشوكاني:
"اعلم أنه قد اتَّفَق الناس - سابقهم ولا*قهم، وأولهم وآخرهم، من لدن الص*ابـة، رضي الله عنهم، إلى هذا الوقت - أن رفع القبور والبناء عليها منَ البدَع التي ثبت النهي عنها، واشتدَّ وعيد رسول الله لفاعلها، ولم يخالف في ذلك أ*د من المسلمين".
ولا ي*ل لمسلم النذْر للقبور والأضْر*ة، كمَن ينذر زيتًا، أو شمعًا، أو دراهم، أو طعامًا، أو ذب*ًا، ومَنْ نذر شيئًا من ذلك، وَجَبَ عليه التوبة، و*َرُم عليه الوفاء بنذْره.
ومَنْ ذب* عند قبر، فالذبي*ة مَيْتَة، ي*رُم الأكل منها، أو توزيعها على الناس، ولو ذَكَر ذاب*ها اسم الله عليها، ويجب طرْ*ها أو إطعامها لل*يوانات؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عقر في الإسلام»؛ (أخرجه أبو داود).
وقال ابن الوليد الباجي المالكي في "شر* الموطأ": مَن نذر سوق جزور إلى موضع من المواضع، فإن نذر سوقه باطل، وين*ره *يث شاء من المواضع التي لا يتكلف سوقها إليها لقربها؛ لأن إراقة الدماء لا تكون إلا بمكة أو منى في ال*ج والعمرة.
وطلب العون من الميت والاستغاثة به عند الشدائد شِرْك أكبر.
وهنا مسألة مهمة متعلقة بالاستغاثة بالأموات، ينبغي التنبيه عليها: فبعض الناس يستغيث ب*يٍّ أو ميت؛ لقضاء *وائجه، فيأتيه ويقضي بعض *اجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص، أو ملك تصوَّر في صورته، وال*قيقةُ: إنما هو شيطان أضَلَّه لما أشرك بالله، كما كانت الشياطين تدخل في الأصنام، وتُكَلِّم المشركين.
أيها المسلمون:
انتشرتْ صورة على (الإنترنت)، وبعض الناس يعلِّقونها في بيوتهم، ويدَّعون أنها صورة لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كله باطل، لا أساس له من الص*ة، وتلك الصورة هي لقبْر جلال الدين الرومي في تركيا، فقبرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءَ وصفُه في *ديث القاسم بن م*مد بن أبي بكر - رضي الله عنهم - قال: دخَلتُ على عائشة، فقلت: يا أمَّه، اكشِفِي لي عن قبرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصا*ِبَيه، فكشَفَتْ لي عن ثلاثةِ قبورٍ، لا مشرِفَة ولا لاطِئَة، مَبطو*َة بِبَط*اءِ العَرصَةِ ال*مراء؛ أخرجه أبو داود، وص*َّ*ه ال*اكم، ووافقه الذهبي.
ورَوَى أهلُ السِّيَر: أنَّ الوليد بن عبدالملك - ر*مه الله - كتَب إلى عمر بن عبدالعزيز - ر*مه الله - وكان قد اشتَرَى *ُجُرات أزواجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أن اهدِمهَا ووسِّع بها المسجِد، فقعَد عمر في نا*يةِ ثم أمَر بهدمِها، قال الرّاوي: فما رأيتُه باكِيًا أكثَرَ مِن يومئِذ، ثم بناه كمَا أراد، فلمَّا أن بنى البيتَ على القبر، وهدَم البيتَ الأوّل، ظهَرتِ القبورُ الثلاثة، وكان الرملُ الذي عليها قد انْهارَ، ففزِعَ عمر، وأرادَ أن يقومَ فيُسوِّيها بنفسِه، فقيل له: أصلَ*َك الله، إنّك إن قمتَ قام الناسُ معك، فلو أمَرتَ رجلاً أن يصلِ*َها، فقال: يا مزا*ِم - يعني مولاه - قم فأصلِ*ها، قال إبراهيم النخَعي: أخبرني من رأَى قبرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم – وصا*بَيه: أنها مُسنمة ناشِزَة مِنَ الأرض، عَليها مدرٌ أَبيَض؛ انتهى.
وكانت القبور الثلاثةُ في *ُجرة عائشة - رضي الله عنها - خارِجَ المسجد على *الِها، وكانت ال*جرةُ مغلَقَة، لا يتمكَّن أ*دٌ من الدخولِ إلى قبرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا لصلاةٍ عنده، ولا لدعاءٍ، ولا لغيرِ ذلك، كما قرَّره شيخُ الإسلام، وغيرُه من أهلِ العلم.
الخطبة الثانية
وهناك بعض الشبُهات *ول قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - منها: القبة الموجودة على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه القبة أُعَيد بناؤها في القرن الثالث عشر، وأعاد وضعها أ*دُ الأمراء الأتراك جهلاً منه، وكره أهل العلم إزالتها؛ *تى لا يظن ظانٌّ أنَّ في ذلك استهانة بالرسول - صلى الله عليه وسلم.
قال الم*دِّث م*مد بن إسماعيل الصنعاني - ر*مه الله - في رسالة له تسمى: "تطهير الاعتقاد عن أدران الإل*اد": فإن هذه القبة ليس بناؤها منه - صلى الله عليه وسلم - ولا من أص*ابه، ولا من تابعيهم، ولا تابع التابعين، ولا من علماء أمته وأئمة ملتِه؛ بل هذه القبة المعمولة على قبره - صلى الله عليه وسلم - من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصال*ي، المعروف بالملك المنصور، في سنة ثمان وسبعين وستمائة".
والشبهة الثانية *ول وجود قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد: ويستدل البعض بذلك بجواز بناء القبور في المساجد، وهذا الاستدلال خطأ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصا*بيه - رضي الله عنهما - لم يُدفنوا في المسجد، وإنما دُفنوا في بيت عائشة، ولكن لما وُسِّع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك، أدْخَلَ ال*جرة في المسجد في آخر القرن الأول، ولا يعتبر عمله هنا في *كم الدفن في المسجد؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصا*بيه لم ينقلوا إلى أرض المسجد، وإنما أدخلت ال*جرة التي هُم بها في المسجد؛ من أجل التوسعة.
وأما الصلاة في مسجد به قبر، فقال أهل العلم: الصلاة في مسجد به قبر له *التان:
• إن كان القبر سابقًا للمسجد، وبني المسجد على القبر، ففي هذه ال*ال لا تجوز الصلاة في هذا المسجد، ويجب هدم هذا المسجد.
وفي ص*ي* مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها».
وفي ص*ي* البخاري، عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: كنتُ أصلي وهناك قبر، فقال عمر بن الخطاب: القبرَ القبرَ! فظننته يقول: القمر، وإذا هو يقول: القبر، أو كما قال.
أيها المسلمون:
التو*يد هو الشرط الأعظم، بل هو الأساس لمغفرة الذنوب، فمن فقدَه فَقَد المغفرَة؛ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وفي هذا ال*ديث: «يقول الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة»، وقراب الأرض: ملؤُها، أو ما يقارب ملأَها.
وما زال ال*ديث مستمرًّا - إن شاء الله - في الجمعة القادمة.
______________________________ _________________________
الكاتب: الشيخ م*مد أبو عجيلة أ*مد عبدالله