صيغ التكبير في العيد
أثـر الصحـابـة فــي صيـغ التكبيــــر
• قال الدارقطني رحمه الله (2 / 50): ثنا عثمان بن أحمد بن السماك، ثنا أبو قلابة، ثنا نائلُ بن نجيحٍ، عن عمرِو بن شمرٍ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، وعبد الرحمن بن سابطٍ، عن جابر بن عبدالله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الصبح من غَداة عرَفة يُقبِل على أصحابه فيقول: «على مَكانِكم»، ويقول: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد»، فيكبِّر من غَداة عرفة إلى صلاة العصر من آخِر أيام التشريق[1].
• أثرُ ابنِ مسعود: كان عبدالله يكبِّر مِن صلاة الفجر يوم عرَفةَ إلى صلاة العصر مِن يوم النَّحر، يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد[2].
• أثر ابنِ عباس رضي الله عنهما: أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب: الله أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجلُّ، الله أكبر ولله الحمد[3].
• أثر سَلمانَ رضي الله عنه: عن أبي عُثمان النَّهديِّ قال: كان سَلمانُ رضي الله عنه يعلِّمنا التكبير يقول: كبِّروا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا - أو قال: تكبيرًا - اللهم أنت أعلى وأجل[4].
• أثر ابنِ عُمر رضي الله عنهما: أنه كان يكبر من صلاة الظهر يومَ النحر إلى صلاة الفجر مِن آخرِ أيام التشريق؛ يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير[5].
• أثر إبراهيمَ: قال ابن أبي شيبة في "المصنَّف" (2/ 167): حدثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدُهم مستقبلٌ القبلةَ في دبر الصلاة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد[6].
• أثر الحسن: أن الحسن كان يكبر: الله أكبر الله أكبر، ثلاثَ مرَّات[7].
[1] ضعيف جدًّا:
قلتُ: في إسناده جابرٌ الجعفي وعمرُو بن شمر، وهُما سيِّئا الحفظ، بل عمرو متروك، وقد اختلف على عمرو بن شمر فيه. وللزَّيلعي في "نصب الراية" (2/ 223) تلخيصٌ نفيس ننقله بإذن الله؛ قال: أخرجه الدارقطني في "سننه" (2/ 49) عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن محمد بن علي عن جابر بن عبدالله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبِّر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق حين يسلِّم من المكتوبات"، ثم أخرجه (2/ 49) عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين. وعبدالرحمن بن سابط عن جابر بن عبدالله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة يُقبِل على أصحابه فيقول: ((على مكانِكم))، ويقول: ((الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد))، فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق"؛ اهـ.
قال ابنُ القطَّان: جابرٌ الجعفي سيِّئ الحال، وعمرو بن شمر أسوأُ حالاً منه، بل هو مِن الهالكين! قال السعدي: عمرو بن شمر زائغٌ كذَّاب، وقال الفلاَّس: واهٍ، قال البخاريُّ وأبو حاتم: منكر الحديث، زاد أبو حاتم: وكان رافضيًّا يسبُّ الصحابة، رَوى في فضائل أهل البيت أحاديثَ موضوعة، فلا ينبغي أن يعلَّل الحديث إلا بعمرِو بن شمر، مع أنه قد اختلف عليه فيه؛ فرَواه عنه سعيد بن عثمان وأسيد بن زيد (عند الدارقطني 2/ 49) عن عمرو بن شمر فقال فيه: عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه، علي بن حسين، عن جابر بن عبدالله، وروى محفوظ بن نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي عن جابر، فأسقط من الإسناد عليَّ بن حسين، وهكذا رواه عن عمرو بن شمر عن رجل يقال له: نائل بن نجيح وقرَن بأبي جعفر عبدالرحمن بن سابط، وزاد في المتن كيفية التكبير؛ اهـ كلامه ملخصًا.
وقال الحافظ في "التلخيص" (2/ 87): وفي إسناده عمرو بن شمر وهو متروك، عن جابر الجعفي وهو ضعيف، عن عبدالرحمن بن سابط عنه، قال البيهقي: لا يحتجُّ به، وروي عنه من طرق أخرى مختلفةٍ أخرَجها الدارقطني، مَدارها عليه عن جابر، اختلف عليه فيها في شيخ جابرٍ الجُعفي، ورواه الحاكم (1/ 299) مِن وجه آخر عن سعيد بن عثمان عن عبدالرحمن بن سعيد المؤذِّن عن فِطْر بن خليفة عن أبي الطُّفيل عن علي وعمَّار، وقال الحاكم: هو صحيح الإسناد.
قلت: هذا الإسناد معلول بإسناد عمرو بن شمر؛ فإنه مردود إليه، أضف إلى ذلك أنَّ عبدالرحمن بن سعيد عنده مَناكير؛ قال الذهبيُّ في "التلخيص" (1/ 299): بل خبَره واهٍ كأنه موضوع؛ لأن عبدالرحمن صاحبُ مناكيرَ، وسعيد إن كان الكُرَيزيَّ فهو ضعيف وإلا فهو مجهول؛ اهـ.
[2] رجاله ثقات: أخرجه ابن أبي شَيبةَ (5632)، حدَّثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود قال: كان عبدالله يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ بتثليثِ التكبير.
قلتُ: وهذا إسنادٌ كلُّ رجاله ثقات؛ أبو الأحوص هو سَلاَّم بن سُلَيم ثقة، وأبو إسحاق ثقة إلا أنه مدلِّس وعنعَن، والأسود هو ابنُ يَزيدَ النَّخعيُّ ثقة؛ فالأثر رجالُه ثقات، إلا أن عددَ ألفاظ التكبير رُويَت هنا بتَكرار لفظ (الله أكبر) ثلاث مرات، ورُويت عند ابن أبي شيبة أيضًا (5651) بنفس الإسناد، بتَكرار لفظ (الله أكبر) مرتين فقط. قال: مثل حديث وكيع، وحديثُ وكيع بتَكراره مرتين. وهو الصحيح.
فكل الروايات التي ستَأتي عن أبي إسحاق وغيره عن ابن مسعود بتكرار لفظ (الله أكبر) مرتين فقط؛ فزيادة لفظ التكبير مرةً ثالثة من حديث ابن مسعود وهمٌ، فليرجع إلى نُسَخ أخرى أو مخطوطات أخرى من نسخة "المصنَّف".
وبِناءً على ذلك قمتُ بكتابته في المتن بتثنية التكبير فقط، والتنبيه على ذلك في الحاشية، وهاك الروايات الأخرى التي تَذكر صيغ التكبير كلَّها بتثنية التكبير، وقد تقدَّمَت نفسُ الرواية عند ابن أبي شيبة (5651) حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبدالله: كان عبدالله يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. فذكَر مثل حديث وكيع.
قلت: وهاك حديث وكيع.
قال ابنُ أبي شيبة (5650): حدثنا وكيعٌ، عن حسن بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله؛ أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ بتثنية التكبير، وهذا أيضًا سندٌ كلُّ رجاله ثقات؛ أبو الأحوص هو عوف بن مالك الجشمي ثقة. ورواه الطبراني في (9/ 355/ 9534) من طريق إبراهيم بن محمد بن برَّة عن عبدالرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبدالله، أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وشيخُ الطبراني إبراهيمُ مترجَم في "السِّيَر" (13/ 351)، ولم يَذكر فيه جَرحًا ولا تعديلاً.
ورواه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 304/ 2208) من طريق علي بن الحسن عن عبدالله بن الوليد عن سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود، أنه كان يكبر من صلاة الغَداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر؛ يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ورواه ابن أبي شيبة (5633) حدثنا ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن غَيْلان بن جابر، عن عمرِو بن مُرَّة، عن أبي وائلٍ، عن عبدالله؛ أنه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وهذا سندٌ صحيح، وغَيلان هو ابن جامع ثقة. والذي وقَع تصحيف (جابر) مكان (جامع).
ورواه الطبراني (9538) من طريق زهير، عن أبي إسحاق، عن أصحاب عبدالله، عن عبدالله، أنه: "كان يكبر صلاة الغداة من يوم عرفة، ويقطع صلاة العصر من يوم النحر، يكبر إذا صلى العصر"، قال: "وكان يكبر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد". ورواه ابن أبي شيبة في مصنَّفه (5652) طـ الهندية (2/ 168).
حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا شَريكٌ، قال: قلت لأبي إسحاق: كيف كان تكبيرُ عليٍّ وعبدِالله؟ فقال: كانا يقولان: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
قلت: وهذا سند لا يحتجُّ به، ورواه الحاكم (1/ 300) من طريق هُشيم، عن أبي جَنابٍ، عن عُمير بن سعيدٍ، قال: قدم علينا ابنُ مسعودٍ فكان "يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق".
ورواه الطبراني في "الكبير" (3/ 356/ 9537): حدثنا عليُّ بن عبدالعزيز، ثنا حجَّاج بن المِنْهال، ثنا شُعبة، أخبرني الحكَمُ وحمادٌ، عن إبراهيمَ قال: كان عبدالله يقول: "التكبير أيامَ التشريق بعد صلاة الصبح من يوم عرفة إلى بعد العصر من يوم النحر".
قلتُ: وإبراهيمُ النَّخَعي لم يَسمع مِن أحدٍ من الصحابة، بيد أن جماعة من العلماء صحَّحوا مَراسيله عن ابن مسعود. قال الأعمش: قلت لإبراهيم: أسنِدْ لي عن ابن مسعود فقال إبراهيم: إذا حدثتُكم عن رجل عن عبدالله فهو الذي سَمعت، وإذا قلتُ: عبدالله فهو عن غير واحد عن عبدالله؛ انظر: "تهذيب التهذيب" (1/ 155) و "جامع التحصيل" (141)، والله أعلم.
[3] صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (5645)، (5654) حدثنا يحيى بن سعيد القطَّان عن أبي بكار عن عِكرمَة عن ابن عباس "أنه كان يكبر...".
قلت: وهذا إسناد صحيح كل رجاله ثقات، وأبو بكَّار هو الحكم بن فَرُّوخ، ثقة، ورواه الحاكم (1/ 299) من نفس الطريق وقد سقط من إسناده عكرمة، ولكن الذهبي أثبتَه في "التلخيص" مختصَرًا ولم يَذكُر صيغة التكبير "أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق"، ورواه ابنُ المنذر في "الأوسط" (4/ 301) من طريق ابن أبي شيبة، ورواه أيضًا (4/ 304، 305) من نفس الطريق، مع اختلافٍ في لفظ التكبير؛ يقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر تكبيرًا، الله أكبر وأجلُّ، الله أكبر ولله الحمد" بزيادة "الله أكبر" في أوَّله.
ورواه ابن أبي شيبة برقم (5638): ثنا وَكيعٌ، عن شَريكٍ، عن خُصَيفٍ، عن عِكْرمة، عن ابن عباسٍ؛ أنه كان يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وشَريك وخُصيف ضعيفان.
[4] صحيح: أخرجه البيهقي (3/ 316) قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشران، أخبرنا إسماعيل الصفَّار، حدثنا أحمد بن منصورٍ حدثنا عبدالرزَّاق أخبرنا مَعْمرٌ عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمانَ النَّهْدي قال: "كان سَلمان رضي الله عنه يعلمنا...".
قلتُ: وهذا إسنادٌ صحيح كل رجاله ثقات؛ أبو الحسين بن بشران ثقةٌ ثبت، ترجمته في "السِّير" (17/ 311)، وإسماعيل بن محمد الصفَّار، قال الدارقطني: كان ثقة متعصبًا للسنَّة، مترجَمٌ في "السير" (15/ 440)، وأحمد بن منصور الرمادي ثقة، طعَن فيه أبو داود لمذهبه في الوقف في القرآن، قال الحافظ: وباقي رجاله ثقات - وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 462): وأما صيغة التكبير فأصحُّ ما ورَد فيه ما أخرجه عبدالرزَّاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبِّروا الله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا. ولم يتكلم على باقي الأثر.
قلتُ: ولم أقف عليه عند عبدالرزاق؛ فلعلَّه سقط مِن عنده؛ ففي المجلد رقم م ص (7) في الفهارس بوَّب بباب الشراب في الطواف، والقول في أيام الحج، وقد سقَط هذا التبويب داخلَ الكتاب، وكذلك سقط بعده ثلاثة تبويبات أخرى، فالله أعلم.
[5] إسناده ضعيف: أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 304) حدثنا عليٌّ، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنا حمادٌ، عن عبدالله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر: "أنه كان يكبر"... الأثر.
قلت: وهذا ضعيفٌ من أجل عبدالله بن عُمر العُمري؛ فإنه مُكبَّر الاسم ضعيفُ الرواية.
تنبيه: وقع تصحيفٌ في إسناد ابن المنذر؛ فقد رواه عن عبدالله بن عمر بن نافع عن ابن عمر، والتصحيح من البيهقي (3/ 33)؛ رَواه مختصرًا.
[6] صحيح: قلتُ: إسناده صحيح، كل رجاله ثقات، وقول إبراهيم: كانوا يكبرون... الذي يَظهر أنه مِن فِعل الصحابة ويُحمَل على تكبير ابن مسعود؛ لأن هذه هي نفس الصيغة التي وردَت عن ابن مسعود، وكذلك مراسيلُ إبراهيمَ عن ابنِ مسعود تقبَّلها بعض العلماء، وانظر رواية إبراهيم عن ابنِ مسعود عند الطبراني في أثر ابن مسعود.
[7] صحيح: رواه ابن أبي شيبة (5653): حدثنا يزيد بن هارون قال: ثنا حُميدٌ أنَّ الحسن...
قلتُ: إسناده صحيح.
وأخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" من طريق شعبة عن يونس عن الحسن في التكبير أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
قلت: وإسناده حسن، ويونُسُ هو ابن عُبيد، ثقة.
ولمزيد الفائدة انظر: "بداية المجتهد" (1/ 221)، و "المبسوط" (2/ 43)، و "الهداية" (2/ 82)، و "المدونة" (1/ 154، 156)، و "الأم" (1/ 269)، و "فتح الباري" (2/ 536)، و "نيل الأوطار" (3/ 375)، و "سؤالات الإمام أحمد برواية أبي داود" (470)، و "المغني" (3/ 290)، و "الأوسط" لابن المنذر (4/ 251)، و "المجموع" (5/ 40) وغيرَها، والله أعلم.
______________________________________
الكاتب: الشيخ طارق عاطف حجازي