الأبعاد الفقهية والأخلاقية في شراء الهامش " الفوركس"
مسعود صبري
في زمن أصبح فيه سعار المادة هو المتحكم في عقول طائفة من البشر ، لا هم لهم إلا المال، لا يبالون كيف يجمع من حل أو من حرام، باحثين عن كل طريق ليوصلهم إلى زيادة أموالهم، طارقين أبواب الواقع والفضاء، ولو استطاعوا أن يطرقوا باب السماء لفعلوا..
في ظل هذه النفسية، انتشرت في الآونة الأخيرة المضاربة بالعملة على الإنترنت، ويطلق على معاملة ” الفوركس”، أو ” المارجن”، وتعرف أيضا بشراء الهامش.
ومقصود هذه المعاملة هو شراء العملات والمضاربة فيها، ويكون ذلك بدفع جزء من قيمة المعاملة نقدا، ولا يكون الجزء المدفوع هو مبلغ المضاربة، بل يقرض البنك المضارب المبلغ الباقي من خلال السمسار، وما يدفعه العميل من الهامش هو لضمان التأمين النقدي لتسديد الخسائر إن حصلت في المضاربة.
وتتم المعاملة بأن يفتح العميل حسابا لدى سمسار من سماسرة سوق العملات، ويقوم هذا السمسار بإقراض العميل مبلغا من المال ليكمل به مع مبلغ الهامش مبلغ المضاربة.
فغالبا ما تكون نسبة المال المدفوع من قبل المضارب يمثل نسبة صغيرة جدا من مبلغ المضاربة.
هذه الصورة الأشهر في هذه المعاملة، لكنها تأخذ شكلين:
إما أن تشترط الشركة أو السمسار فوائد مسبقة، وإما أن تشترط عمولة على كل حركة بيع.
المحاذير الشرعية في هذه المعاملة
أولا: ما تشترطه بعض السماسرة أو الشركات أو البنوك من فوائد مسبقة، أو مايعرف برسوم التبييت، وهو الربا بعينه.
ثانيا: أن اشتراط العمولة في كل حركة بيع هي من باب البيع والسلف، وهو منهي عنه شرعا، لأنهم لا يقرضون قرضا حسنا، وإنما يقرضون لأجل البيع والشراء من خلالهم، فيأخذون الفرق بينهما.
جاء في قرار المجمع : ” ثانيا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه ، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة ( السمسرة ) ، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع ، المنهي عنه شرعاً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل سلف وبيع …) الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال : حديث حسن صحيح . وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه ، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم .
إن فقه المعاملات وإن كان يتم بين أشخاص طبيعيين، أو بين أشخاص اعتباريين، أو بين الطبيعي والاعتباري يجب أن يصب في مصلحة السوق بما يعود بالنفع على المجتمع
ثالثا: أنه يشترط في عقد الصرف التقابض في المجلس، سواء أكان تقابضا حقيقيا أو حكميا، وفي هذه المعاملة يقرض السمسار أو البنك العميل المبلغ بالدولار، لكن لا يسلمه له، بل يودعه في حسابه، بشرط شراء عملات أجنبية أخرى غير الدولار، فهو بيع صرف مؤجل، وهو من ربا النسيئة.
قال المجمع : ” بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجيز التصرف “..
رابعا: أن مثل هذه المعاملة لها أضرار كبرى لا تتعلق بذات المعاملة، وإنما تتعلق باقتصاد الدول، وهذا ما بينه قرار المجمع حيث قال: رابعاً : لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة ، وخصوصاً العميل (المستثمر) ، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة . لأنها تقوم على التوسع في الديون ، وعلى المجازفة ، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات ، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار ، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة ، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل ، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديا ، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضرار فادحة .” انتهى
خامسا: أن السمسار لا يسلم للعميل نقودا حقيقة، بل نقود قيدية، فهو تقديم تسهيلات والتزامات، وإن لم يكن هناك نقود تكفي لسداد ما يقابل تلك الالتزامات، وعلى هذا ، فالعقد صوري وليس حقيقيا، والمقصود هو الاستفادة من فروق السعر ، فحقيقة العقد أن السمسار أقرض ما ليس عنده، والعميل باع مالا يملك.
سادسا: أن مبلغ المضاربة يكون باسم السمسار وليس باسم العميل، وإن كان يحق للأخير التصرف فيه بالبيع والشراء، ولا يمكن له سحب النقود إلا بعد تصفية جميع الالتزامات بينه وبين السمسار أو البنك، ولهذا لو انخفضت العملة كاليورو مقابل الدولار، فالسمسار يطلب من العميل بيع اليورو، فإن لم يفعل؛ باع السمسار بدون إذن العميل، وأخذ قرضه، فالسمسار يضمن عدم الخسارة م خلال بيعه المباشر بدون إذن العميل لأنه مالك القرض باسمه.
سابعا: أن تداول العملات لا تتم فيه تسوية الصفقة إلا بعد يومين من التعاقد، وهذا يتنافى مع شرط التقابض في المجلس في عقد الصرف.
البعد الأخلاقي
ويبقى بعد تلك المحاذير الشرعية التي تجعل هذه المعاملة خارج نطاق الحل ووقوعها في دائرة الحرمة والنهي عن التعامل فيها ، يبقى النظر إليها من الجانب الأخلاقي، وبيانه أن غالب من يتاجر في هذه المعاملة لا يقصد بها عين التجار، ولا يترتب عليها فوائد في السوق، بل هو اللهث وراء الكسب لا فرق بين حله وحرمته، إن فقه المعاملات وإن كان يتم بين أشخاص طبيعيين، أو بين أشخاص اعتباريين، أو بين الطبيعي والاعتباري يجب أن يصب في مصلحة السوق بما يعود بالنفع على المجتمع، ذلك أن الشيء قد يكون حلالا في ذاته، لكنه يحرم لغيره؛ لما يترتب عليه من مفاسد، فمصلحة الفرد في المجتمع المسلم لا تقدم على مصلحة الجماعة إن تناقضتا، بل تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض.
والتضخم في مثل هذه المعاملة الصورية يعود بالضر على الاقتصاد في بلادنا، بل الواجب على ولاة الأمور أن يصدروا قانونا يمنع حظر التعامل فيه بعد بيان أضراره من خلال الاقتصاديين عبر وسائل الإعلام.