الخوف ليلاً
أ. شروق الجبوري
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أشكرُكم على هذا الموقع المفيد، وأتمنَّى له تألُّقًا - بإذن الله.
أنا فتاةٌ مشكلتي أنَّني أعاني من خوفٍ شديد من الظَّلام؛ أخاف أن أُغمض عينَيَّ ليلاً من شدَّة الخوف، يُهيَّأ لي كوابيس وصُوَر تَرْعبني كثيرًا، رغم أنَّني أُحصِّن نفسي بالأدعية والأَذْكار, وأنام على وضوءٍ وطهارة، يَزْداد خوفي كلَّما تذكَّرتُ الموت وعذابَ القَبْر، لا أدري لِمَ أعيش هذا الخوف الشديد؟ أنام والغرفة مُضاءة؛ لكي أحسَّ بنوعٍ من الاطمئنان، أعيش ليلاً سرمديًّا لا ينقضي, أستَيْقظ صباحًا في وقت متأخِّر، لا أدري ماذا أفعل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الكريمة، السَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نرحِّب بك أولاً في شبكة الألوكة، ونَشْكر لك تَمنياتك الطيِّبة، سائلين الله تعالى أن يُسدِّدنا في تقديم ما يَنْفعك وينفع جميعَ المستشيرين.
كما أُحيِّي ما لمستُ فيك من حرصٍ على المُحافظة على السنن عند النَّوم، متمنِّية منك الدَّوام عليها، وعدمَ ترْكِها.
عزيزتي، إنَّ الخوف والهلَع من أيِّ أمر، لا يُولَد مع الإنسان؛ فهو يعدُّ من الصِّفات المكتسبة؛ أي: إنَّ الإنسان يَكْتسبها خلال مرحلةٍ معيَّنة من عمره؛ بسبب مواقف أو خبراتٍ سلبيَّة أسهمَتْ في تبَنِّيه هذه السِّمة، وعزَّزتْها عواملُ أخرى في نفسه وفِكره.
ومن سياق رسالتك، أستشِفُّ أنَّ ما تسبَّب لك في الهلع والخوف من الظُّلمة، هو رَبْطك الفكريُّ (بشكلٍ لا واعٍ) بين الصُّور الذهنيَّة المُخيفة التي كوَّنتْها مُخيّلتِك عن عذاب القَبْر وظلمته، وبين وجودك في أيِّ ظلام، وتتكوَّن تلك الصُّور من خلال قراءة الإنسان عن المواضيع المُتعلِّقة بعذاب القَبْر، أو استِماعه للمحاضرات ذات الصِّلة، وقيامه بترجمة ما يقرؤه أو يَسْمعه إلى صور ذهنيَّة يترك لِمُخيلته تَصوُّرَها، وتُصوّر نفسه فيها، ويستشعر كلَّ ذلك في مخيّلته.
وحين يغوص الإنسانُ بفِكْره مع تلك الأفكار بتطرُّف، دون أن يَأخذ أفكارَه إلى جانبٍ آخَر من المعادلة، وهو حالةُ رياض القبور، ونُورِها، وعبَقِها، بالنِّسبة للمؤمنين، فإنَّه يُحْكَم على فِكْرِه بالتزام نَمطٍ واحد من التصوُّرات، ثم التوقُّعات، وهذا ما أظنُّك قد وقعت فيه.
ولهذا يا عزيزتي؛ فإنِّي أنصَحُك بالاستِزادة من القراءة عن رياض القبور، وتصَوُّرها والتأمُّل فيها واستِشْعارها؛ حتَّى تتكوَّن لدَيْك الدافعيَّة الكبيرةُ لرؤيتها، كما أنَّ ذلك يُساعدك في الوصول إلى التَّوازُن الفكريِّ والانفعالي في هذا الأَمْر.
كما أنصَحُك بالتأمُّل في آية اللَّيل، وما يأتي به من نِعَم على الإنسان، بل على كلِّ المخلوقات، وكُلِّ الملائكة التي تحضره، ومَنْزلة قائم اللَّيل، وتجلِّي الله تعالى في الثُّلث الأخير، ورَحْمته لعباده في هذا الوقت، وغير ذلك من الأمور المهمَّة الكثيرة، المرتَبِطة بحلول آية اللَّيل؛ فإنَّ كثرة اطِّلاعك على الكتيبات أو المُحاضرات التي تُبشِّر بذلك، وإقبالك عليها بدافعيَّة، سيَبْنِي في ذهنك صُورًا أخرى إيجابيَّة ترتبط بحلول الظَّلام.
وكلَّما شعَرْتِ بانخفاضِ مَشاعر الخوف لدَيْك تجاه الظَّلام، اعمَلِي على تخفيف شِدَّة الضَّوء في الغرفة، ثم كافئي نَفْسك في اليوم التَّالي بأمرٍ تَميل إليه نفْسُك مِمَّا هو مشروع، ثُم كَرِّري اطِّلاعَك على تلك المعلومات، وكَرِّري نفس الإجراءات بعْدَها، مع تقليل الضَّوء في غرفَتِك في كلِّ مرة.
كما أتَمنَّى منكِ التَّخفيفَ مِن انزِعاجِك؛ بسبب هذا الأمر، وتَبْسيطه في نفسك؛ حتَّى لا تُعزِّزيه باعتقادك فيه، خاصَّة وأنَّ هذا النَّوع من الخوف يَنْتهي مع كِبَر السِّن، وتغيير الحالة الاجتماعيَّة.
وأخيرًا:
أختم بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يَشْرح صدْرَك، ويَذْهب عنكِ ما تَجِدين، وسنَسْعد بِسَماع طيِّب أخبارِك.