أهمية الحفظ لطالب العلم
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالحمد لله رب العالمين, الذي حفظ لنا القرآن الكريم من التغير والتبديل والتحريف, قال الله سبحانه وتعالى: ? {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ? [الحجر:9]
والحمد لله الذي حفظ لنا سيرة نبيه ورسوله عليه الصلاة والسلام من خلال حفظ الصحابة لها.
لقد كان الحفظ سمة ظاهرة لعلماء أمة الإسلام, فالحفظ ركيزة أساسية في طلب العلم, ومن لم يحفظ طار علمه, ولهذا حثّ أهل العلم على الحفظ, قال الإمام عبدالرزاق الصنعاني رحمه الله: كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام [يقصد محفوظاً في صدره] فلا تعده علماً.
للسلف أقوال في أهمية الحفظ لطالب العلم, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الحفظ أساس العلم:
** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ليس من حفظ نصف القرآن كمن حفظ الكل, ولا من حفظ مائة حديث كمن حفظ ألفاً, وعلى هذا فليس العلم إلا ما حصل بالحفظ.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: الحفظ أساس في العلم كان العلماء عليه, ولا تلفت لمن يزهدك في الحفظ, لأن الحفظ يبقى, وأما الفهم فهو يأتي, ويذهب, لكن إذا ركز الحفظ جاء الفهم بعده, فبقي الحفظ, والفهم ما شاء الله.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: قد أراد بعض الناس أن يمكروا بنا, فقالوا لنا : " إن الحفظ لا فائدة فيه, وأن المعنى هو الأصل, ولكن الحمد الله أنه أنقذنا من هذه الفكرة, وحفظنا ما شاء الله أن نحفظ من متون النحو وأصول الفقه والتوحيد, وعلى هذا فلا يستهان بالحفظ, فالحفظ هو الأصل, ولعل أحداً منكم الآن يذكر عبارات قرأها من قبل مدة طويلة, فالحفظ مهم لطالب العلم, حتى وإن كان فيه صعوبة.
حسن النية مفتاح الحفظ:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما يحفظ الرجل على قدر نيته.
الحفظ في الصغر:
** عن علقمة قال: ما حفظت وأنا شاب, فكأني أنظر إليه في قرطاس.
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: من رزق ولداً, فليجتهد معه...فإذا بلغ خمس سنين أخذه بحفظ العلم...فإن الحفظ في الصغر نقش في حجر.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم أن تحفظه وأنت صغير السن...ففي حفظ القرآن حال الصغر فائدتان : الفائدة الأولى : سهولة الحفظ, الفائدة الثانية : رسوخ المحفوظ في القلب بحيث لا ينساه.
بداية طلب العلم بحفظ القرآن:
** قال ابن مسلم: كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فيناً حدثاً, قال: يا غلام, قرأت القرآن ؟ فإن قال: نعم, قال: اقرأ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:11] وإن قال: لا, قال: اذهب تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم.
** قال الخطيب البغدادي رحمه الله: ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل, إذ كان أجلَّ العلوم, وأولاها بالسبق والتقديم.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: طلب حفظ القرآن...مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع, فإن المشروع في حق مثل هذا...أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين.
فوائد:
& قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به, فإن لم تكن هذه همة حافظة لم يكن من أهل العلم والدين, والله أعلم.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: الوقت المناسب لحفظ القرآن الكريم...فأحسن ما يكون في أول النهار إذا صليت الفجر أن تقرأ القرآن لتحفظه.
& قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: إتقان القرآن وعدم اللحن أحسنُ من الحفظ الكثير الذي فيه لحن وفيه خطأ فكونك تحفظ قليلاً من القرآن, وتتقنه, وتعربه على الوجه المطلوب أحسن من كونك تقرأ كثيراً لا تحسن قراءته على الوجه المطلوب
حفظ أحاديث الرسول علية الصلاة والسلام:
& قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال لي أبي يا بني اطلب الحديث, فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم فطلبتُ الحديث على هذا.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: يحسن بطالب العلم أن يخصص جزءاً من وقته لحفظ الأحاديث النبوية.
الوقت المناسب للمراجعة:
قال الشيخ رحمه الله: أحسن ما رأيت في العلم أن الإنسان إذا حفظ شيئاً اليوم يقرؤه مبكراً في صباح اليوم التالي, فإن هذا مما يعين كثيراً على حفظ ما حفظه في اليوم, وهذا شيء فعلته فكان مما يعين على الحفظ الجيد.
ترك المعاصي أصلح شيء للحفظ:
** قال رجل للإمام مالك: هل يصلح لهذا الحفظ شيء ؟ قال: إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعـــــــــــ ــــاصي
وقال بأن حفظ العلم نــــــــــــــ ور ونور الله لا يؤتاه عــــــــــــاص ــــــــي
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن خشرم رأيت وكيعاً, وما رأيت بيده كتاباً قط إنما هو يحفظ فسألته عن دواء الحفظ فقال: ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ
مذاكرة العلم من أسباب عدم نسيانه:
** عن علي بن أبي طالب رضي الله قال: تذاكروا الحديث, فإنكم إن لم تفعلوا ذلك اندرس العلم.
** قال عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه: تذاكروا الحديث فإن حياته المذاكرة.
** عن أبي ليلى قال: إحياء الحديث مذاكرتُه, فتذاكروا. فقال له عبدالله بن شداد بن الهاد: رحمك الله, كم من حديث أحييته في صدري, قد كان مات.
** قال إبراهيم الأصبهاني: كل من حفظ حديثاً فلم يُذاكر به, تفلت منه.
فائدة:
& قال الخطيب البغدادي رحمه الله: إذا لم يجد الطالب من يُذاكره, أدام ذكر الحديث مع نفسه, وكرره على قلبه.
عدم الحفظ مع انشغال القلب:
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ينبغي لمن يريد الحفظ أن يتشاغل به في وقت جمع الهم...ومتى رأى نفسه مشغول القلب ترك الحفظ.
تكرار الحفظ من أسباب عدم النسيان:
** قال الحافظ ابن الجوزي: المحفوظ...الطريق إلى إحكامه كثرة الإعادة, والناس يتفاوتون في ذلك: فمنهم من يثبت معه المحفوظ مع قلة التكرار.
ومنهم من لا يحفظ إلا بعد التكرار الكثير, فينبغي للإنسان أن يعيد بعد الحفظ, ليثبت معه المحفوظ. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « تعاهدوا القرآن, فإنه أشدّ تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها» .
وكان أبو إسحاق الشيرازي, يعيد الدرس مائة مرة. وكان الكيا يعيد سبعين مرة.
وقال الحسن بن أبي بكر النيسابوري الفقيه: لا يحصل الحفظ...حتى يعاد خمسين مرة
وحكى لنا الحسن: أن فقهياً أعاد الدرس في بيته مراراً كثيرة فقالت له عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا فقال: أعيديه فأعادته فلما كان بعد أيام. قال: يا عجوز, أعيدي ذلك الدرس. فقالت: ما أحفظه قال: أنا أكرر الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك.
** قال الشيخ عبدالعزيز القارئ: ما رأينا في زماننا هذا أقوى حفظاً من الشيخ على جابر رحمه الله, فقد صلى التهجد وحده في المسجد الحرام في أحد الأعوام, فما تردد ولا تلجلج ولا أخطأ, ولما سألتُه عن سر قوة حفظه أجاب بأنه يراجع كل يوم جزءاً من القرآن, وفي شهر شعبان يراجع ثلاثة أجزاء, وأنه لم يترك ذلك لا في سفر ولا في حضر ولا في مرض.
العمل بالعلم من أسباب عدم النسيان:
قال إبراهيم لم إسماعيل بن مجمع: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
اتقان الحفظ:
قال عبدالرحمن بن مهدي: الحفظ: الإتقان.
تعاهد المحفوظ من وقت لآخر:
** قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: تعاهد علمك من وقت لآخر فإن عدم التعاهد عنوان الذهاب للعلم مهما كان.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: بعض من كانوا طلبة في الكليات الشرعية أو متخرجين منها وتركوا العلم ومراجعته سنوات, تجد عندهم ضعفاً شديداً في العلم, وقد صرح بذلك بعضهم, وقال: إنه لما ترك العلم ومراجعته سنين, ذهب عنه ما كان يحفظ, حتى رجع لا يحفظ من المسائل إلا واحدة أو اثنتين, ولا يستحضر ذلك الذي تعلمه. وذلك أن العلم كالشجرة يحتاج إلى مداومة ومراعاة وسقي, فإن سقيته فإنه يظلَ حيّاً, وإلا فإنك لن تستظل تحت ظله.