الأندلس.. درس لم نستوعبه
فيصل الرحيمي
في ثنايا التاريخ الإسلامي في أوربا، كانت وقفة مع جنة الله في أرضة.. تلك الجنة الغناء، والبساتين الخضراء، والجداول والأنهار التي ما عرَف العالمُ في ذلك الوقت بقعةً على وجه الأرض أجمل منها.
هي لم تكن طبيعة فقط، بل كانت منارة العلم يقصدُها طلابُ العلم في جميع أرجاء المعمورة في جميع مناحي العلوم.
العلوم الشرعية والطبيعية وفن العمارة (وهذه آية من آيات الحضارة البشرية)، وكذلك المصانع الحربية التي تخرج الآلات الثقيلة والمعدات العسكرية الفائقة التطور ذلك الوقت.
ثم في الزراعة لها شأن آخر وحكاية أخرى.
والتجارة التي كانت في أوج ازدهارها، والأسواق العالمية بمفهوم هذا الزمان لا تنتهي إلى ذلك العالم الذي يغرق في سوداوية الجهل والظلام.
إنك لن تصدقني إن قلتُ لك إن أوربا كانت في قرونها المظلمة (القرون الوسطى) ولكنَّ أبناءها لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تلك الحضارة، ولكنهم نهلوا من معينها الصافي ومائها النمير، أخذوا يتوافدون إليها من كل حدب وصوب، يطلبون العلم والحضارة، وأساليب التطور والرقي، لم يقتنعوا بما هم عليه.
وتأكدَتْ قاعدةُ ابن خلدون النظرية (إن الأمم المغلوبة تسعى جاهدة إلى تقليد الأمم الغالبة).
ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة.
ثم ماذا؟ ولا تسأل بعد ثم، إن سنن الله الكونية لا تتغير ولا تتبدل، ليأخذ الناس العظة والعبرة ممن سبقهم حتى ينجوا مع الناجين.
فإذا تقاعس المسلمون وتخاذلوا كانت النتيجة السقوط، مثل الدراسة في المدارس، وكذلك جميع جوانب الحياة؛ للنجاح أسباب وللإخفاق كذلك.
لقد كان تاريخُ الأندلس عبرة لمن يعتبر؛ ثمانمائة سنة من العلو والانخفاض والصعود والهبوط، تعاقب على الأندلس أمراء وولاة عهد وخلفاء وملوك طوائف، وكل هذا التراث الهائل من المنجزات والتطورات أصبح في أيدي النصارى الصليبيين الذين صاحبوا السهر ورافقوا التعب والشدة حتى وصلوا إلى ما يريدون.
لا أريد هنا أن أعدّد أسباب سقوط الأندلس لأنها معروفة عند كل أحد. ولكني أجدني في حيرة من أمري لا أعرف ما فعل الله بهؤلاء الأقوام الذين بُدلوا من بعد نعمة خوفًا.
إنني كأي مسلم حر يبكي على مجد أسلافه المسلمين الذي أراقوا دماءهم زكية على ثرى الأندلس؛ لقد عطروا ذكرهم في صفحات التاريخ بتلك التضحيات التي لم يكن يعرف العالم مثلَها في زمن من الأزمان، ثم نحن بعدُ نعيد سيرةَ من هدم بناء المسلمين، أولئك الملوك الأقزام آمالهم الحقيرة التي لا تتعدى مواطئ أقدامهم، كيف يطيب لنا الطعام وأجزاء من بلاد الإسلام تتجرع غصص الاستحلال والمذابح الجماعية والقتل أو التهجير.
كل ذلك على مرأى من العالم ومسمع، وأصحاب الكراسي ممسكون بكراسيهم خوفًا من انكسارها، ولسوف تنكسر فلا تسأل عن حالهم بعد الإنكسار.
إن الأندلس لم تذهب من أيدينا بين يوم وليلة، إنها قرون حتى سقطت، وهذا يدل على طول نفس أولئك الأعداء الذين ما فتئوا يزعزعون كيان الدولة حتى تساوت مع التراب.
وكذلك يجب علينا أن نكون أكثر واقعية.. أن نراقب الساحة، فإذا جاءت ساعة الصفر انطلقنا إلى مكاننا الأصلي فوق القمة لنحكم العالم وفق شرع الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وآلمني وآلَمَ كلَّ حر سؤالُ الدهر أين المسلمونا؟