بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أيها الأحبة الكرام مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي( وفقه الله)،نفعنا الله وإياكم بها.
ظاهرة تشبه الرجال بالنساء والعكس!!
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ قلة الخوف من رب الأرض والسموات أيها الإخوة والأخوات لهو من أهم أسباب انتشار المعاصي والمنكرات في المجتمعات، يقول المناوي-رحمه الله-:"القلب إذا امتلأ من الخوف –أي من الله-أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي،وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي، فإذا قلَّ الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من علامة الشقاء".فيض القدير(2/ 132)
ومن المظاهر السلبية والذنوب الرديّة التي فشت اليوم في البلدان الإسلامية بسبب قلة خوف البعض من رب البريَّة تشبه الرجال بالنساء و العكس كذلك،يقول ابن منظور- رحمه الله-:"أشبه الشيء الشيء : ماثله ".لسان العرب( 13/ 503)
إن هذا الفعل القبيح أيها الأحبة الكرام ليس بهين ولا بيسير! كما يظن بعض الأنام بل هو من كبائر الآثام التي يعصى بها العزيز العلام ، يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :"تشبه الرجال بالمرأة من كبائر الذنوب وتشبه المرأة بالرجل كذلك من كبائر الذنوب بأن تتشبه به في القول أي في الكلام تتكلم كما يتكلم الرجال في ضخامة الصوت ونبراته أو تجعل رأسها كرأس الرجل تقصه حتى يرتفع عن الكتفين أو كذلك تلبس من الثياب والساعات لباس الرجل فكل هذا من كبائر الذنوب". شرح رياض الصالحين ( 6/217)
ولذا حذر رسول العزيز القدير أمته منه أشد التحذير، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال :" لَعَنَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ". رواه أبو داود ( 4097)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول المناوي – رحمه الله-:" فيه كما قال النووي حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه، لأنه إذا حُرّم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح، فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبّه، بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن ".فيض القدير (5/269)
ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" وأما تحريم الشارع تشبُّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، فهو عام في اللباس، والكلام، وجميع الأحوال.
فالأمور ثلاثة أقسام:
قسم مشترك بين الرجال والنساء من أصناف اللباس وغيره، فهذا جائز للنوعين؛ لأن الأصل الإباحة. ولا تشبه فيه.
وقسم مختص بالرجال، فلا يحل للنساء.
وقسم مختص بالنساء، فلا يحل للرجال.". بهجة قلوب الأبرار ( ص146)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-:"اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإذا تشبه الرجل بالمرأة في لباسه ولاسيما إذا كان لباس محرما كالحرير والذهب أو تشبه بالمرأة في كلامها وصار بغير لسانه في الكلام حتى كأنما تتكلم امرأة، أو تشبه بالمرأة في مشيتها أو في غير ذلك مما يختص بالمرأة، فإنه ملعون على لسان أشرف الخلق..... كذلك المرأة إذا تشبهت بالرجال فهي ملعونة لو صارت تتكلم كما يتكلم الرجل أو جعلت لها عمامة كما يلبس الرجل أو جعلت ثيابها كثياب الرجل ". شرح رياض الصالحين ( 6/372)
إن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء الرجال قد أرادوا بفعلهم هذا المشين أن يخالفوا حكمة رب العالمين من التفريق بين الجنسين، يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :"من الحكمة في النهي عن التشبه: أن الله تعالى جعل للرجال على النساء درجة، وجعلهم قَوّامين على النساء، وميزهم بأمور قَدَرية، وأمور شرعية فقيام هذا التمييز وثبوت فضيلة الرجال على النساء، مقصود شرعاً وعقلاً. فتشبُّه الرجال بالنساء يهبط بهم عن هذه الدرجة الرفيعة. وتشبه النساء بالرجال يبطل التمييز". بهجة قلوب الأبرار ( ص146)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-:"إن الله سبحانه وتعالى خلق الذكور والإناث وجعل لكل منهما مزية الرجال يختلفون عن النساء في الخلقة والخلق والقوة والدين وغير ذلك،والنساء كذلك يختلفن عن الرجال، فمن حاول أن يجعل الرجال مثل النساء أو أن يجعل النساء مثل الرجال فقد حاد الله في قدره وشرعه، لأن الله سبحانه وتعالى له حكمة فيما خلق وشرع ". شرح رياض الصالحين ( 6/371)
إنَّ هذه الظاهرة القبيحة التي فشت في بلاد المسلمين اليوم قد ساهم في انتشارها بشكل ملحوظ عدة عوامل، ومن أهمها ما سبق الإشارة إليه ألا وهو عدم خوف بعض الأنام من العزيز العلام،وكذلك هناك داء عضال ومرض قتال قد جر على المسلمين اليوم الوبال حيث يُعتبر أيضا من أهم الأسباب التي أدت لبروز هذه الظاهرة المنحرفة ألا وهو اختلاط النساء بالرجال الأجانب!،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: "اختلاط أحد المصنفين بالآخر سبب الفتنة ،فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب".الاستقامة( 1 /361)
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" وإذا أردت أن تعرف ضرر التشبه التام، وعدم اعتبار المنازل، فانظر في هذا العصر إلى الاختلاط الساقط الذي ذهبت معه الغيرة الدينية، والمروءة الإنسانية، والأخلاق الحميدة، وحَلَّ محله ضد ذلك من كل خلق رذيل". بهجة قلوب الأبرار (ص 147)
وكذلك أيها الأفاضل قد ساهم في انتشار هذه المعصية الرديّة ما تُعرف بين الناس بالجمعيات الحقوقية!والتي لها أجندات غربية إلحادية دون أن ننسى أيضا الدور الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة والمرئية! حيث نرى هؤلاء جميعا يُهونون ويزينون هذا الأمر الخطير و الشر المستطير، – وللأسف – أيها الأفاضل قد تأثر بهؤلاء بعض ضعاف النفوس! فعملوا بما يزينه هؤلاء! بل تعدى بهم الأمر حتى صاروا هم كذلك وسائل و أدوات معينة تساهم أيضا في ترويج هذا الفعل الذميم و العمل اللئيم!!.
فمما ينبغي علينا جميعا علمه أن عواقب هذه الظاهرة الوخيمة وأضرارها الجسيمة ليس قاصراً فقط على الأفراد بل يتعدى خطرها وشرها إلى المجتمعات،ومن ذلك ما نراه عيانا اليوم من ظهور الفواحش و المنكرات، يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" فتشبه الرجال بالنساء بالكلام واللباس ونحو ذلك: من أسباب التخنث، وسقوط الأخلاق، ورغبة المتشبه بالنساء في الاختلاط بهن، الذي يخشى منه المحذور. وكذلك بالعكس". بهجة قلوب الأبرار ( ص146)
فعلينا جميعا أيها الأحبة الأفاضل من آباء وأمهات ودعاة مصلحين أن نتعاون ونتكاتف ونقف جميعا في وجه أعداء الدين من الكفار و المنافقين والمفسدين الذين يسوقون لهذه الظاهرة المنحرفة من أجل إفساد شباب المسلمين وذلك بالتحذير من أضرارها وبيان أخطارها، وكشف حقيقة من يسوق ويزين ويدعو لها، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية – حرسها الله-: "تشبه الرجال بالنساء حرام، وكذلك تشبه النساء بالرجال، والواجب على من رأى شيئا من ذلك تغييره حسب الاستطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) [ رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه -]. فتاوى اللجنة الدائمة (24/94)
وعلى ولاَّة أمر المسلمين أن يقوموا بما يجب عليهم نحو رعيتهم،ومن ذلك أن يبذلوا كل الأسباب التي تمنع من انتشار هذا الوبال، وليعلموا أنهم سيقفون أمام الكبير المتعال وسيسألهم عن أنفسهم وعن رعيتهم وما كان منهم جميعا من أعمال، فعن عبد الله بن عمر–رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الذي على الناس رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ.." رواه البخاري(853) ومسلم(1829) واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:"قال العلماء :الراعي، هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه ،والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته". الشرح على صحيح مسلم (12/213)
ومما ينبغي كذلك علمه أن دين رب العالمين هو المرجع الوحيد في معرفة الضوابط التي يُفرَّق بها بين الجنسين وليس المرد في ذلك إلى الأهواء ولا إلى المفسدين،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله-:"ومن هنا يظهر الضابط في نهيه عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال، وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه، فإنه لو كان كذلك لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخُمر التي تُغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان، وأن تَلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغا، وهذا خلاف النص والإجماع ". مجموع الفتاوى ( 22/ 146)
ولذا على الرجل أن يمتثل تعاليم دينه الكريم ويجتنب مشابهة المرأة، و على النساء كذلك الابتعاد عن كل ما هو من خصائص الرجال ، يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله- :"يجب على الرجل أن يبتعد عن مشابهة المرأة في زيها ولباسها ونحو ذلك، ويجب على المرأة أن تبتعد عن مشابهة الرجل في زيه،أو كلامه أو مشيه أو نحو ذلك". فتاوى نور على الدرب (21/105)
وعلى المسلمة أيضا أن لا تغتر أبدا بما يرفعه أهل الإلحاد ودعاة الفساد من شعارات مزيفة يدعون فيها إلى كل ما هو قبيح ومشين ومن ذلك جواز تشبه الجنسين، وأن لا تتأثر بمن اغتر بهؤلاء من النساء فتَشَبَّهنَ بالرجال لأن فعلهنَّ هذا ذميم وقد لعنهن رسول العزيز العليم عليه أفضل الصلاة والتسليم، فعن عائشة – رضي الله عنها-قالت :" لَعَنَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ من النِّسَاءِ ". رواه أبو داود ( 4098) وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول المناوي – رحمه الله-:" (الرَّجُلَةَ من النِّسَاءِ ) أي المترجلة وهو بفتح الراء وضم الجيم التي تتشبه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك".فيض القدير ( 5 /269)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا بديننا القويم من المتمسكين و بسنة نبينا الكريم من المتبعين ، وأن يحفظ المسلمين في كل الأقطار والأمصار من شر الأشرار و كيد الفجار، فهو سبحانه ولي ذلك، و العزيز الجبار.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي