الصبر رجولة وتمكين (ثبات خباب بن الأرت)
د. محمد عبدالمعطي محمد
ليكن الدرس مع خباب بن الأرت الرجل البطل (ممن فتن عن دينه فثبت عليه، فإنه سبي في الجاهلية فاشترته (أم أنمار الخزاعية) وكان قينًا أي حدادًا، وكان صلى الله عليه وسلم يألفه ويأتيه، فلما أسلم وأخبرت بذلك مولاته صارت تأخذ الحديدة وقد أحمتها بالنار فتضعها على رأسه، فشكا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم انصر خبابًا، فاشتكت مولاته رأسها فكانت تعوي مع الكلاب، فقيل لها اكتوي، فكان خباب يأخذ الحديدة وقد أحماها فيكوي رأسها".
وفي البخاري عن خباب قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة" ولقد لقينا يعني معاشر المسلمين من المشركين شدة شديدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد صلى الله عليه وسلم محمرًا وجهه، فقال: إنه كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على فرِق رأس أحدهم فيشق ما يصرفه ذلك عن دينه، وليظهرنَّ الله تعالى هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه" [1] ا. هـ.
هكذا يذكر لنا خباب رضي الله عنه المنهج الدراسي في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم الخاصة للرجولة، وأهم المواد فيها هي الصبر واليقين، ومنهجها العملي في الثبات والجهاد بالنفس والنفيس.. هكذا انتشر الإسلام، وبلغ ما بين المشرِقين.. على أكتاف هؤلاء الأبطال ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين..!
وعلى أكتاف أمثال هؤلاء سيعود الإسلام إلى مكانه الطبيعي شابًا فتيًا يقود الأمم.. قال الله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]. تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
1- " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] أن ذلك تاما، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ". الحديث. رواه مسلم وغيره. وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره، بحيث لا يدع مجالا للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله وتوفيقه. وها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببًا لشحذ همم العاملين للإسلام، وحجة على اليائسين المتواكلين.
2- " إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارِقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ". الحديث.
3- عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ " وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ " ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشرنا به الحديث.
4- عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابًا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مدينة هرِقل تفتح أولا. يعني قسطنطينية "(وهى اسطنبول عاصمة تركيا الإسلامية حاليًا، وقد تم وعد المصطفى بفتحها بعد حوالي (800) سنة من بشراه بها على يد محمد الفاتح، ونحن بانتظار وعده صلى الله عليه وسلم بفتح روما.. ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت" [2] ا. هـ.
ولعل البعض يتعجب كثيراً من تلك الثقة العارمة للمسلم الحق في انتصار دينه وهيمنته على الأديان.. يقول كيف وفى كل مكان يشير إليه إصبعك مسلم يُهان ويُظلم ويُنكل به لأجل إسلامه؟!.. كيف وهم يملكون العلم والتقنية والسلاح والعقول؟!.. كيف وهم......؟! أقول له هذا عين ما يراد بنا اليأس ثم اليأس ثم الانهزام فالانقياد.. ولكن من تملأ قلوبهم الحقيقة يعلمون أن الحق سينتصر، والتاريخ والفطرة خير الشواهد..
والمطلوب الأول منا هو اليقين والصبر.. (سَأَلَ رجلٌ الشَّافِعِي، فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله أَيّمَا أفضل للرجل أَن يمكَّن أَو يَبْتَلِي؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يمكَّن حَتَّى يبتلى، فَإِن الله ابْتُلِيَ نوحًا وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ومحمدا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَلَمَّا صَبَرُوا مكنهم. ا. هـ. من الفوائد لابن القيم)، وقد استخلص ابن القيم رحمه الله ببراعته في غير موضعٍ من كتبه حقيقة أن الإمامة تستلزم الجمع بين الصبر واليقين، واستدل بقوله سبحانه ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]. اسمع معي ما رواه أحمد في مسنده (18260) بسنده عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا بَلَغَنِي خُرُوجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهْتُ خُرُوجَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، خَرَجْتُ حَتَّى وَقَعْتُ نَاحِيَةَ الرُّومِ، وَقَالَ يَعْنِي يَزِيدَ بِبَغْدَادَ، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى قَيْصَرَ، قَالَ: فَكَرِهْتُ مَكَانِي ذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ كَرَاهِيَتِي لِخُرُوجِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ، لَوْلَا أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَضُرَّنِي، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَلِمْتُ، قَالَ: فَقَدِمْتُ فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ قَالَ النَّاسُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: " يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ " ثَلَاثًا، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي عَلَى دِينٍ، قَالَ: " أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ " فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي؟ قَالَ: " نَعَمْ، أَلَسْتَ مِنَ الرَّكُوسِيَّةِ (قال السندي: قوله: من الرَّكوسية، ضبط بفتح الراء، وهم النصارى)، وَأَنْتَ تَأْكُلُ مِرْبَاعَ قَوْمِكَ؟ (مِرْباع القوم: كان الرئيس في الجاهلية يأخذ ربع مال الرعية، ويسمي ذلك الربع: المِرْباع. ). " قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: " فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ "، قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ قَالَهَا، فَتَوَاضَعْتُ لَهَا (فلم يَعْدُ، من عدا يعدو، أي: فما تجاوز قولَ هذه المقالة أن تواضعتُ لهذه المقالة. )، فَقَالَ: " أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ، تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ، وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ، وَقَدْ رَمَتْهُمْ الْعَرَبُ. أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ (بلاد اليمن اليوم )؟ " قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا. قَالَ: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ (المرأة المسافرة للحج وغيره) مِنَ الْحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ (أي من غير حماية وهى كناية عن الأمان وبلوغ ملك الإسلام الآفاق )، وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ (ملك الفرس أعظم قوة عسكرية وحضارية حينها) " قَالَ: قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ " قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: " فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ، فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارٍ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهَا "[3]...
وفى حديث آخر عن عدي بن حاتم كان عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل (وكان عدي قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل في الاسلام وخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يفت في عضده ويثبطه عندما يرى من ضعف أهله وفقرهم وعدم انتشار الأمن في أرضهم حينذاك فألقى بالبشارات المذكورة في الحديث ترغيبًا وتثبيتًا) فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة قال: لم أرها وقد أنبئت عنها قال: إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله وفي رواية إنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير قال عدي: قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد وأكمل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه إليه فقال: ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قال: كسرى بن هرمز قال: كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه) ا. هـ.[4].
لقد كانوا يتندرون على محمد صلى الله عليه وسلم حين يزرع اليقين في أصحابه المستضعفين بالنصر وامتلاك الأرض.. لم يكونوا يدركوا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وأن العاقبة للمتقين، والتمكين لأهل الحق.. روى ابن إسحاق عن إياس بن عفيف عن أبيه أنه قال: كنت امرءاً تاجراً فقدمت (منى) أيام الحج، وكان العباس بن عبد المطلب امرءاً تاجرًا، فأتيته أبتاع منه. قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء فقام يصلي تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام فقام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين؟ إن هذا الدين ما أدري ما هو؟
فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به. قال عفيف: فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون رابعًا[5].
العجيب أن الكثير من المسلمين المنهزمين اليوم لا يتفكرون في هذا المشهد الفريد في الرواية السابقة عن رجلٍ واحد صلى الله عليه وسلم يصلى؛ وما على الأرض معه إلا امرأة وغلام، ثم ليقارن هذا المشهد بمشهد ملايين من البشر هم بعضٌ من ملايين الملايين يهزون الدنيا بأصواتهم حول بيت الله الحرام (الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد)، ولولا الرجولة الحقيقية لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما بلغ هذا الدين، وهذا النور ما بلغ.
روى البخاري عن جابر بن عبد الله، وأبو نعيم عن عبد الله بن عمر، والبيهقي وأبو نعيم عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير والبيهقي وأبو نعيم عن كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف عن أبيه عن جدّه، وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنهم قالوا: عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذها المعاول، فشكونا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنا نازل"، ثم قال: فلما رآها أخذ المعول وقال: "باسم الله" وضربها ضربة تكسر ثلثها وبرِقت برِقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى كأنّ مصباحًا في جوف ليلة مظلمة، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إنيّ لأبصر قصر المدائن الأبيض" ثم ضربه التالية فقطع بقية الحجر، وبرِق منها برِقة أضاء ما بين لابتيها، فقال "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر صنعاء من مكاني السّاعة"[6].
هذه الروح العالية.. هذا الإيمان وهذا اليقين، ولو حتى في أشد المواقف في تاريخ الإسلام حرجا، والمسلمين ضعفًا.. هو بالضبط ما نحتاج بعضه في بناء الرجولة الحقيقية، وصنع الرجال صناعة إسلامية صحيحة.. تلقى للدنيا أجيالاً جديدة؛ ترفع راية النور وتعيد للحق والهدى الريادة... فهل تعلمنا الدرس؟!
[1] من السيرة الحلبية ، العلمية ، ط. 2، 1/ 425)
[2] من سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني بتصرف واختصار 1/ 32.
[3] (صحح محققي المسند إسناده ) وقال الحافظ في "الفتح" 6 /613 في شرح حديث البخاري السالف: قوله: "فلا يجد أحداً يقبله منه"، أي: لعدم الفقراء في ذلك الزمان، تقدم في الزكاة قول من قال: إن ذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز، وبذلك جزم البيهقي في "الدلائل" من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: إنما ولي عمر بن عبد العزيز: ثلاثين شهراً ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فيه، فلا يجده، وقد أغنى عمر الناس. قال البيهقي: فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم. انتهى. ولا شك في رجحان هذا الاحتمال على الأول لقوله في الحديث: "ولئن طالت بك حياة". ا. ه.
[4] ( قال الألبانى رحمه الله في تخريج أحاديث مشكلة الفقر1/ 81 صحيح أخرجه البخاري وأحمد عن عدي بن حاتم)
[5] (صحيح السيرة النبوية ، الألباني، المكتبة الإسلامية - عمان – الأردن ، 1/ 115)
[6] (سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد 9/ 508)