خطبة الجمعة
*التوبة والتائبين*
عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله علاَّمِ الغيوب، المطَّلعِ على أسرارِ القُلُوبِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له يعلمُ ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ من السَّماءِ وما يعرجُ فيها وهو مَعَكُم أَينَما كُنتم واللهُ بما تَعملونَ بَصيرٌ، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه إمامُ المُتَّقينَ التَّائِبينَ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وَمَنْ اقتَفَى أَثَرَهُ فَكانوا للهِ مُتَّقينَ، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: أوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلاَمِ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وتَزَوَّدُوا فإنَّ خيرَ الزَّاد التَّقوى،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [الحشر:18-19]
ثم أما بعد مَعاشِرَ المُسلمين: قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ ونُخطئُ، ومَشيئَةُ اللَّهِ فِينا أنَّنا نُقصِّرُ ونُسيءُ، لأنَّ كلَّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ، فلَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم ويَفْعَلُون ما يؤْمَرون فَنحنُ بَشَرٌ
وأنا وأنتَ يا عبدَ اللهِ الضَّعْفُ فِينا مَغروسٌ، والشَّيطانُ والهَوى، والنَّفسُ الأمَّارةُ تَستَهْوِينا، وتَلعَبُ فينا، تَضعفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً. فَكُلُّنا لَنا ذُنُوبٌ وسَيِّئَاتٌ ومَعَاصٍ وخَطِيئاتٌ؛ فَمَن ذا الَّذي يَسلَمُ مِن تِلكَ الآفَاتِ؟!
مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّ *** وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
في صحيح مُسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضِي الله عنْه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَالَّذِي نَفْسِىي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».
عباد الله ومعنى التوبة: هي الرجوع إلى الله والإنابةُ إليه من فعل المُحرَّم والإثم، أو من ترك واجبٍ، أو تقصيرٍ فيه، بصدق القلب وندمٍ على ما كان.
والتوبةُ واجبةٌ على كل أحدٍ من المسلمين؛ فالواقعُ في كبيرةٍ تجبُ عليه التوبة لئلا يبغَتَه الموت وهو على المعصية، والواقعُ في صغيرة تجبُ عليه التوبة؛ لأن الإصرار على الصغيرة يكون من كبائر الذنوب،
والمُؤدِّي للواجبات التاركُ للمُحرَّمات تجبُ عليه التوبةُ أيضًا؛ لما يلحَقُ العمل ولما يجبُ له من الشروط، ولما يلزمُ من انتفاء موانع قبوله، وما يُخشَى على العمل من الشوائب التي قد تُداخِلُه التي حذَّر منها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعن الأغَرِّ بن يسارٍ المُزنِيّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم مائةَ مرة". رواه مسلم.
وقد تضافرت النصوص من القرآن والسنة بالدعوة إلى التوبة يقول الله عز وجل: وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً.
لقد فتح الله باب التوبة لكل عبد ووعد بقبولها ومن يعمل سوءاًً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً.
بل قال في أصحاب الأخدود الذين قتلوا المؤمنين: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق
قال الحسن البصري رحمه الله انظروا إلى هذا الجرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة، بل لقد حذر سبحانه من القنوط من رحمته فقال: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم.
قال ابن عباس : (من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله).
أيها المسلمون: تذكَّروا سَعة رحمة الله، وعظيمَ فضله وحِلمه وجُوده وكرمه؛ حيث قبِلَ توبةَ التائبين، وأقالَ عثرةَ المُذنبين، ورحِمَ ضعفَ هذا الإنسان المسكين، وأثابَه على التوبة، وفتح له أبواب الطهارة والخيرات؛
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى يبسُط يدَه بالليل ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل". رواه البخاري ومسلم.
أيها المؤمنون، من تدنس بشيء من قذر المعاصي فليبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إذا أذنب عبد فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفر لي فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين حتى قال في الرابعة: فليعمل ما شاء)) ،
يعني مادام على هذه الحال كلما أذنب ذنباً استغفر منه غير مُصر.
وجاء رجل إلى النبي وهو يقول: واذنوباه مرتين أو ثلاثاً فقال له النبي : ((قل اللهم مغفرتك أوسع لي من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، ثم قال له: أعد فأعاد، ثم قال له: أعد فأعاد فقال: قم فقد غفر الله لك)). أخرجه الحاكم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه،
وأخرج أيضاً من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله: أحدنا يذنب، قال: ((يكتب عليه)). قال: ثم يستغفر منه قال: ((يغفر له ويتاب عليه)). قال: فيعود فيذنب. قال: ((يكتب عليه)). قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال: ((يغفر له ويثاب عليه. ولا يمل الله حتى تملوا))
واسمع نداءه لك – وهو الغني عنك، وأنت الذي لا ينفك فقرك إليه لحظة من اللحظات – في الحديث القدسي حيث يقول: ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولاأبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي وحسنه من حديث أنس
فتأمل هذا النداء من الرحيم الودود إلى ذاك الذي أسرف على نفسه بالذنوب ليلين قلبه، ويحدوه الرجاء إلى ذلك الأفق الفسيح من رحمة الله تعالى، فإن أبى القلب ذاك وأضحى أسير البعد والعصيان فاقرأ عليه السلام.
والتوبةُ من أعظم العبادات وأحبِّها إلى الله تعالى، من اتَّصَف بها تحقَّق فلاحُه، وظهر في الأمور نجاحُه، قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [القصص: 67].
وكفى بفضل التوبة شرفًا فرحُ الرب بها فرحًا شديدًا؛ عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضلَّه وعليه متاعُه في أرضٍ فلاة". رواه البخاري ومسلم.
ايها المسلمون والتوبةُ من صفات النبيين -عليهم الصلاة والسلام- والمؤمنين؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 117]،
وقال تعالى عن موسى -عليه الصلاة والسلام-: (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف: 143]،
وقال تعالى عن داود -عليه السلام-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص: 17] -أي: كثير التوبة-،
وقال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 112].
عباد الله وهذه أمراءه انظروا إليها .. تقطع مراحل الزمن .. وتطوي صفحات التاريخ .. لتسجل للأجيال موقفاً نادراً ، يقف له التاريخ هيبة وإجلالاً .
امرأة ضعيفة .. عصفت بها لحظة من لحظات الضعف فوقعت في الفاحشة .. ولما كشف عنها غطاء الغفلة ، انتفض الإيمان في قلبها ، فجادت بنفسها ، وأبت إلا أن تكون هي الفداء ، لتسبق الأحياء ، وتضع رحلها في جنة عرضها الأرض والسماء .
ها هي تقبل على رسول الله بخطىً ثابتة, وفؤادٍ يرجف وجلاً وخشية, رمت بكل مقاييس البشر وموازينهم, تناست العار والفضيحة, لم تخش الناس, أو عيون الناس, وماذا يقول الناس؟ ..
أقبلت تطلب الموت, نعم تطلب الموت, فالموت يهون إن كان معه المغفرة والصفح, يهون إن كان بعده الرضا والقبول, يهون إن كان فيه إطفاء لحرقة الألم, ولسع المعصية, وتأنيب الضمير ..
(يا رسول الله أصبت حدًا فطهرني) .. فيُشيح النبي عنها بوجهه, فتقبل عليه وتقول: يا رسول الله أصبت حدًا فطهرني ..
فيقول الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم : ويحك ، ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه .. فتقول : تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك؟ والله إني حبلى من الزنا, فيقول : ((اذهبي حتى تضعيه)) .. فولت والفرح يملأ قلبها, والسرور يخالط نفسها ..
أن نجت من موت محقق؟ وردها رسول الله؟ كلا, بل لم يزل هم الذنب يعترك في فؤادها ، وسياط الخوف تسيطر على تفكيرها.
ويمر الشهر والشهر, والآلام تلد الآلام, فتأتي بوليدها تحمله .. ها أنا ذا وضعته فطهرني يا رسول الله, فيقول الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم : ((اذهبي حتى ترضعيه فتفطميه)).
وتعود بابنها الرضيع .. فلو رأيتها ، ووليدُها بين يديها, والناس يرقبونها عَجَبًا وإكبارًا .. ترضع وليدها حولين كاملين .. كلما ألقمته ثديها, أو ضمته إلى صدرها زاد تعلقها به وتعلقه بها, وحبها له, كيف لا وهي أمه .. ولا تسل عن حنان الأم وعطفها .
وتمضي السنتان .. فتأتي بوليدها وفي يده خبزة يأكلها .. يا رسول الله قد فطمته فطهرني !!.
عجبًا لها ولحالها! أي إيمانٍ تحمله؟ ..
وأي إصرار وعزم تتمثله؟ .. قرابة الثلاث سنين , والأيام تتعاقب, والشهور تتوالى, وفي كل لحظة لها مع الألم قصة, وفي عالم المواجع رواية ..
ومع هذا فلا تزال ثابتةً على موقفها ، خائفةً من ذنبها ، منيبةً إلى ربها .
ثم كان أمر الله .. فيدفع النبي الصبي إلى رجل من المسلمين, ويؤمر بها فترجم .. ورجم الزاني المحصن هو شرع الله ، والله أحكم الحاكمين ، ويجب على العاقل أن لا ينظر إلى هذه العقوبة الشديدة دون أن ينظر إلى خطورة جريمة الزنا .. الجريمة التي تعصف بالدين والعرض والنَّسْل والنَّفْس.
وإن من التناقض الذي يقع فيه دعاة ما يسمى بحقوق الإنسان ؛ رأفتَهم بالجاني القاتل والسارق والزاني ، ونسيانَهم قسوةَ الجريمة ، وما يصيب المَجْنِيَّ عَلَيْه وأهلَه ، وما يصيب الأسرة والمجتمع .
الرجم رَدْعٌ وزجْرٌ عن انتشار الزنا في المجتمع ، ثم هو تطهيرٌ لِمَنْ أقيم عليه ، فلا يحتاج بعده إلى تطهير في النار ، ولعذاب الآخرة أشد ومن عذاب الدنيا .
رجمت المرأة .. وبينما كانت ترجم ، يطيش بعض دمها على خالد بن الوليد, فيسبها على مسمع من النبي , فيقول عليه الصلاة والسلام: ((والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت منه)) ، ثم يأمر بها فيصلى عليها ثم تدفن . والحديث رواه مسلم .
وفي رواية أخرى أن عمر رضي الله عنه قال : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : (( لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى ؟!!((
الله أكبر .. إنه الخوف من الله, إنها خشية الله ، ترتقي بالنفوس فلا ترى لها قرارًا إلا بجوار الرحمن في جنة الرضوان.
نعم ، لقد أذنبت المرأة حين وقعت في حبائل الشيطان, واستجابت له في لحظة ضعف ، لكنها قامت من ذنبها بقلبٍ يملأه الإيمان, ونفسٍ تلهبها حرارة المعصية, ولسان حالها: كيف أعصيه وهو المنعم الخالق! كيف أعصيه وهو الواهب الرازق ؟ كيف أعصيه وقد نهاني؟ كيف أعصيه وقد كساني وآواني؟! فلم تقنع إلا بالتطهير وإن كان طريقه إزهاق النفس وذهاب الحياة .. مع أنها لو استغفرت وتابت إلى ربها توبة نصوحاً لتاب الله عليها ، لكنها أخذت بالحزم والتطهير المضمون الذي لا رجوع بعده للذنب .
عبد الله أذا أردت أن تعصى الله فعليك
بـ 5 أشياء ... ؟
جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم فقال يا إبراهيم لقد أسرفت على نفسي بالذنوب والمعاصي فقل لي في نفسي قولاً بليغاً،
قال إبراهيم بن أدهم أعظك بخمس،
قال: هات الأولى
قال: لا تأكل من رزق الله إذا أردت أن تعصيه،
قال: كيف يا إبراهيم ! وهو الذي يطعم ولا يطعم؟
قال: عجباً لك تأكل من رزقه وتعصيه ؟
قال: هات الثانية
قال: الثانية: لا تسكن في أرض الله واعص الله،
قال: كيف يا إبراهيم ! والأرض أرضه والسماء سماؤه؟
قال: عجباً لك، تأكل من رزقه وتسكن في أرضه وتعصيه ؟
قال: هات الثالثة
قال: الثالثة: اذهب في مكان لا يراك فيه الله واعص الله،
قال: أين يا إبراهيم ! وهو الذي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ؟
قال: عجباً لك، تأكل من رزقه وتسكن في أرضه وفي كل مكان يراك ثم تعصيه ؟
قال: هات الرابعة
قال: الرابعة إذا أتاك ملك الموت ليقبض الروح فقل له إني لا أموت الآن.
قال: من يستطيع يا إبراهيم ! والله يقول:
إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس:49]
قال: عجباً لك، تأكل من رزقه وتسكن في أرضه وفي كل مكان يراك
ولا تستطيع رد الموت إذا أتاك وتعصيه ؟
قال: هات الخامسة
قال: الخامسة إذا جاءتك ملائكة العذاب تأخذك إلى النار فخذ نفسك إلى الجنة
قال: من يستطيع هذا يا إبراهيم ؟
قال: عجباً لك، تأكل من رزقه وتسكن في أرضه وفي كل مكان يراك
ولا تستطيع رد الموت إذا أتاك ولا تملك لنفسك جنة ولا ناراً ثم تعصيه؟
قال: اسمع يا إبراهيم ! أنا أستغفر الله وأتوب إليه
فأعلنها توبة وإنابة وفراراً إلى الله
وأنت يا من تأكل رزقه، وتسكن في أرضه، وفي كل مكان يراك، ولا تستطيع رد الموت إذا أتاك، ولا تملك لنفسك جنة ولا ناراً،
أما آن لك أن تتوب وتستغفر علام الغيوب؟
عباد الله: أحلى الأقوال وأجمل الألفاظ يوم يقول العبد: "يا رب أذنبت، يا رب أخطأت، يا رب أسأت, فيأتي الرد سريعاً من التواب الرحيم: عبدي غفرت، عبدي سامحت، عبدي عفوت".
يا رب..
إن الملوك إذا شابت عبيدهم *** في رقّهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا سيدي أولى بذي كرم *** قد شبنا في الرق فأعتقنا من النار
ها هو عبدٌ من عباد الله: أطاع الله أربعين عاماً، وعصاه أربعين، فنظر إلى وجهه في المرآة، وقد كبرت سنه وشاب شعر رأسه، فقال: يا رب أطعتك أربعين وعصيتك أربعين، فهل إذا جئتك قبلتني؟ فسمع منادياً يقول له: أطعتنا فقرّبناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك.
الله أكبر ما أحلم الله بنا! وما أرحمه بنا!
عبد الله تتوب لأن ميزانك سيُنصب أمام عينيك يوم القيامة فتوضع حسناتك في كفة وسيئاتك في كفة، ولا ترجح الحسنات إلا بالتوبة النصوح التي تمحو السيئات.
تتوب يا عبد الله؛ لأن الله يحب التوابين ويحب الأوابين ويحب المستغفرين.
تتوب يا عبد الله لأن الله يقول: ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [الحجرات:11].
اقول ماتسمعون,,,,,,,
الخطبة الثانية
عباد الله: اعلموا أن وراءكم طالبًا حثيثًا لن تفوتوه، فلا تدرون متى يفجأ أحدَكم الموت، عندئذٍ يتمنَّى المرءُ لو فُسِح له في أجله، وأصلَح من عمله، فلا يُؤخَّرُ في الأجل، ولا يتمكَّنُ من صالح العمل،
قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99، 100].
وإيَّاك أيها المسلم وأماني الشيطانِ وغرورَ الدنيا وشهواتِ النفس، والطمَعَ في فُسحةِ الأجَل، فتقول: سأتوبُ قبلَ الموت، وهل يأتي الموت إلا بغتةً؟! وأكثرُ الناس حِيل بينَه وبين التّوبةِ -والعياذُ بالله- لعَدَم الاستعدادِ للموت، وغَلَبة الهوى، وطولِ الأمل، فأتاهم ما يُوعَدون وهم على أسوَأ حال، فانتقلوا إلى شرِّ مآل.
ومِنَ الناس مَن وفِّق للتوبة النَّصُوح بعد أن أسرَفوا على أنفسِهم، أو قصَّروا في حقِّ الله أو حقوقِ العباد، فصارُوا من الصالحين والصّالحاتِ، ذِكرُ سِيرتِهم تُوقِظُ القلوبَ الغافِلَة، ويقتدِي بها السائِرُون على الصِّراط المستقيم،
أيها الإنسان: تذكَّر من بينك وبين أبينا آدم -عليه السلام- من الآباء والأمهات الذين قدِموا على أعمالهم، فأنتم على آثارهم سائرون، وبهم لاحِقون؛ فهل ترون من الأجيال الخالية أحدًا، أو تسمعون لأصواتهم صَدًى؟!
يا من أهملت أولادك وتركتهم لقرناء السوء، تُب إلى الله.
يا من تعودت على تأخير الصلاة، بادر من الآن وتب إلى الله.
يامن اطلقت بصرك في المحرمات ولسانك في اعراض الناس تب الى الله
عبد الله يا من تعوّدت على أكل الحرام تب إلى الله وعد إلى الحلال قبل أن يهجم عليك ملك الموت.
عبد الله لا تؤخر توبتك، كيف بك لو نزل بك الموت وأنت على غير توبة، أعقدت مع ملك الموت عقداً بعدم مجيئه؟ أم اتخذت عند الرحمن عهداً أن لا يقبض روحك حتى تتوب؟
أيها المسلمون: من مقالات الماضِين الأولين من أئمة الهُدى والدين: "لا تُؤخِّر التوبة؛ فإن الموتَ يأتي بغتة".
وقيل: "الداءُ الذنوب .. والدواءُ الاستغفار .. والشفاءُ أن تتوبَ ثم لا تعود".
وقيل: "من أرادَ التوبةَ فليخرُج من المظالِم".
وقيل: "علامةُ التوبة: البُكاء على ما سلَف .. والخوفُ من الوقوع في الذنبِ .. وهُجران إخوان السُّوء .. ومُلازمةُ الأخيار".
قال بعض السلف: "أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين"، يشير إلى أن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا على توبة، فإنه لا يدري متى يفجؤه الموت، قد يصبح ولا يمسي، وقد يمسي ولا يصبح، من أصبح وأمسى على غير توبة فهو على خطر عظيم.
يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ*** ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِـرْ بِقـَوْلِ اللَّهِ فِي آيـَاتِهِ *** إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
عباد الله إن التوبة مطلوبة في كل وقت و لكنها قبل مواسم الخيرات تكون أشد طلبا ، وذلك لان الذنوب هي التي تحول بين العبد و بين اغتنام هذه المواسم
ومن أعظم المصائب المصيبة في الدين ، أن تمر عليك مثل هذه المواسم كموسم رمضان فلا تغتنمه في طاعة الله
إن بعض الناس يظن أنه يعصي الله و الله لا يعاقبه وذلك لأنه يرى أن النعم عليه مستمرة و لا تنقطع فالمال موجود و الأولاد بعافية و كل شيء على ما يرام ، ولا يدرى المسكين أنه يعاقب وهو لا يشعر و ذلك بحرمانه اغتنام مثل هذه المواسم بالطاعات لان الطاعة شرف و العاصي لا يستحق هذا الشرف ،
كان رجل في بني إسرائيل قد أسرف على نفسه بالمعاصي فقال : ( يا رب كم أعصيك و لا تعاقبني ) فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن قل له ( كم أعاقبك و أنت لا تدري ، أما حرمتك لذة مناجاتي و طاعتي )
فيا أخي يا من يريد الفوز و المغفرة بادر بالتوبة و الإنابة قبل رمضان حتى تفوز في رمضان . فتتلذ فيه بالصيام والقيام والبر والاحسان
يامسلمون إن من حُرم خير هذا الشهر فهو المحروم ومن خُذل في مواسم البر فهو المخذول .
ولا علاج لهذا إلا بالتوبة النصوح قبل بلوغ الشهر
التوبة التي يتخلص العبد عندها من كل خطيئة تحول بينه وبين هذه الرحمات .
التوبة التي تؤهل العبد لأن يدخل في زمرة من رضي الله عنهم وأيدهم وأعانهم على مراضيه .
فلنكن منهم فهي الفرصة التي إن فاتت فات كل خير
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضا شهر عصيان
و اتل القرآن و سبح فيه مجتهدا فإنه شهر تسبيح و قرآن
عباد الله - نجدد التوبة قبل رمضان ﻷننا نرى من أنفسنا ومن غيرنا الحرمان من الخير في شهر رمضان فلا جد في العبادة ، وﻻ اجتهاد في القيام ، وﻻ صرف وقت لتلاوة ، وﻻ يد تبذل الخير والمعروف ..
- نجدد التوبة قبل رمضان ﻷن الفتن قد أحاطت بنا من كل مكان .
قتل هنا ، وهلاك هناك وﻻ نجاة إﻻ باللجوء إلى الرحمن قبل أن يحل بنا ما حل بغيرنا فﻻ نستطيع ساعتها فعل طاعة ، وﻻ نملك وقتها دفع مصيبة .
ألا فليكن رمضان بداية لتوبة حقيقية، وبداية انطلاقة راشدة ورجوع صادق إلى الله، توبة تنقلنا من التيه إلى الرشاد، ومن الذلة إلى العزة، ومن التخلف إلى التقدم، توبة تجعل لنا شأنًا عند الله، وذكرًا في الملكوت الأعلى، وموطئ قدم بين الأمم، فلا فرصة أجمل ولا لحظة أتم وأكمل من أيام رمضان ولياليه للراغبين في التوبة والطالبين للعفو والمغفرة.
عبدالله
1- جدد توبتك كل ليلة قبل أن تنام، وحقّق شروطها فلعلها تكون آخر نومة.
2- رُد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها، فهذا من تمام التوبة.
3- من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
4- أتبع السيئة الحسنة تمحها، فالحسنات يذهبن السيئات.
5- صاحب التائبين، وجالس الصالحين يذكرونك بالله، فالمرء على دين خليله.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
في كل يوم لنا ميت نشيّعه *** نحيي بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أجمعها خلفي *** وأخرج من دنياي عُريانا
اللهم يارحيما بالعباد ، ويالطيفا بالخلق وفقنا للتوبة النصوح وخذ بأيدينا لما يرضك عنا .
اللهم هذه نواصينا الخاطئة بين يديك فألهمنا رشدنا وارحمنا بطاعتك .
ربَّنا ظَلمْنَا أَنفُسَنا، وإنْ لَم تَغفِرْ لَنا وَتَرْحمْنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرينَ. اللهمَّ املأ قُلُوبَنا بِحُبِّكَ وتَعظِيمكَ يا رَبَّ العَالمينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، نَسْأَلُكَ يا الله أَلاَّ تَدَعَ لَنا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا لَنا، اللهمَّ علِّمنَا ما ينفعُنا وانفعنَا بِما عَلَّمتَنا، واغفر لَنا وارحمنا يا رَبَّ العَالمينَ.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذريتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، اللهم وارحم موتانا وموتى المسلمين،
اللهم انصر المسلمين على من بغَى عليهم، اللهم أطعِم جائِعَهم، واكسُ عارِيَهم، اللهم وآمِن خائِفَهم يا رب العالمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام استُر عوراتهم، وآمِن روعاتهم، اللهم احفَظ دينَهم، اللهم احفَظ للمسلمين دينَهم، واحفَظ لهم أموالَهم وأعراضَهم يا رب العالمين،
اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، واحشرنا مع أهلك وخاصتك، والحمد لله رب العالمين.
وصلو وسلموا,,,,,,,,
عبدالوهاب المعبأ
773027648