فوائد من حديث: لا تحقرن من المعروف شيئا
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ))؛ رواه مسلم[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: المعروف: هو ما عرف بالشرع أنه من الخير؛ فيدخل في عموم هذا الحديث ما لا يحصى من الأعمال الصالحة التي ينبغي على المسلم أن يحرص على فعلها بنفسه، أو الإعانة على فعلها بنفسه أو بماله أو برأيه أو بولده أو بخادمه أو بغير ذلك من الوسائل؛ إذ كل ذلك من المعروف الذي يشمله هذا الحديث.
الفائدة الثانية: ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم عن التقليل من شأن المعروف، أيًّا كان مقداره؛ فإن الله تعالى يحب المعروف كله قليله وكثيره؛ فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على فعل المعروف بجميع أنواعه ولا يحتقر منه شيئًا، فلربما كانت نجاته في عمل يسير؛ فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))؛ متفق عليه[2].
الفائدة الثالثة: العمل اليسير من المعروف قد يكون كبيرًا عند الله عز وجل، وذلك بحسب ما قام بالعمل أو العامل من الأحوال، فلربما عظُم العمل بسبب النية الصالحة؛ كما قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله تعالى -: رُبَّ عمل صغير تعظِّمه النية، ورُبَّ عمل كبير تصغِّره النية[3]، أو لأن ذلك غاية ما يستطيعه العامل، أو لأنه آثر به مع حاجته، ولربما كان سبب التعظيم ما قارنه من شدة حال العمل، كما لو كان العمل متعلقًا بشدة حاجة الشخص، أو كان زمن أو موضع حاجة، أو بسبب قرابة محتاج ونحو ذلك؛ فإن العمل في مثل هذه الأحوال يتضاعف ويعظم أجره عند الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16].
[1] رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء 4/ 2026 (2626)، وقوله: ((طلق)) يعني: منبسطًا مبتسمًا.
[2]رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب من نوقش الحساب عُذِّب 5/ 2395 (6174)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار 2/ 703 - 704 (1016).
[3]جامع العلوم والحكم 1/ 13، وسير أعلام النبلاء 8/ 400.