خوف غير طبيعي
د. ياسر بكار
السؤال
عندي خوف غير طبيعي، إحساس يبدأ من التفكير، يعمُّ جميع جسمي حرارة، حتَّى إنَّني في صلاتي لا بدَّ أن أصلِّي في أطراف الصُّفوف؛ يعني يكون الجدار عن جنبي من اليمين أو اليسار، ولا أحبُّ أن أكون وسط الصفوف، أو أن يكون خلفي أحد؛ فأنا أخاف أن أسقط، أو أشعر أني سأُصْرَع، وما أعرف السَّبب، صدِّقني، أحاول لكن لا أستطيع، وأحيانًا أقطع الصلاة، وأذهب إلى مسجد صغير أو أصلي وحدي، ولا أستطيع أن أنام في الظلام وحدي إلاَّ نادرًا، وحتى إذا ذهبت إلى مناسبةٍ أشعر بالخوف من الناس والدُّوَار، وكأني أُصرع، وإذا وقفتُ بسيارتي عند الإشارة أخاف خوفًا كبيرًا، مع حرارةٍ في جسمي، وإذا تكلمت مع أحد أشعر بثقلٍ في رأسي، وكأنَّه يخرج منه طاقةٌ تتحكم فِيَّ، ولا أستطيع أن أَنظر في وجهه؛ لأني أسمع صوت صفير في أذني، وكأنني أدوخ!
وأحيانًا تأتيني نوبة غريبة؛ ثقل بجسمي وكأنِّي مخدَّر، أو كأنه ليس أنا، وسرعة تفكير، وضربات قلبي، وكأنِّي أدوخ، ولا أدري؛ أخاف أن أشارك الناس أو أتحدث مع أحد، ولا أريد أن أكون وحدي، وأجلس أدور في مكاني، وأحيانًا أُحاول النوم أو أغلق النُّور، وأدعو ربِّي، حتى ينتهي هذا الوضع، وهو يدوم معي تقريبًا 4 أو 5 دقائق، أرجوكم أفيدوني؛ لأنِّي مُقْبِل على زواج، وأشكركم من أعماق قلبي.
الجواب
مرحبًا بك في شبكة (الألوكة) وأهلاً وسهلاً.
قرأتُ رسالتك باهتمام وأسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يكتب لك المعونة والشفاء.
ما ذكرتَه في رسالتك يدلُّ على أنك تعاني من اضطرابٍ نفسي شائع ومعروف، وهو الرهاب الاجتماعيُّ، مترافقًا مع بعض أعراض القلق.
هناك عدد من النِّقاط التي أودُّ أن أركز عليها هنا:
أولاً: ما تُعانيه من حرارة الجسم، وتَسارع في ضربات القلب، والشعور بالدُّوَار، هي أعراض جسديَّةٌ نفسيَّةُ المنشأ، وعلى الرغم من أنَّها مزعِجة فهي غير خطيرة، ولا تؤدِّي إلى أي مرض هام؛ ومن ثَمَّ فمن الضَّروري أن نصرف اهتمامنا وتركيزنا عنها، يجب أن نتجاهلها وكأنها غير موجودة.. أنا أعلم أن هذا الأمر ليس سهلاً؛ لكنه مطلوب.
ثانيًا: ركِّز دائمًا على الأفكار التي ترِدُك في اللحظات المزعجة، وأقصد هنا أنَّه عندما تأتيك هذه الأعراضُ ابحث عن الأفكار التي تَشْغل ذهنك في تلك اللحظة؛ لأنَّنا نعتقد أنَّ المحفِّز المهمَّ لهذه الأعراض هو مجموعةٌ من الأفكار التي تسيطر عليك في تلك اللَّحظة، وتؤدِّي إلى تأجيج هذه الأعراض وزيادتها واستمرارها، فعندما تكون في منتصف صفِّ الصلاة تأتيك أفكار، مثل "لو أنني أُصِبت بدوار، واحتَجْت إلى الخروج من هذا المكان، كيف سأخرج؛ فهو مغلق؟" تشعر بالقلق، وتلجأ إلى الوقوف في أطراف الصف.
ما أقصده هنا هو أنْ تَصْرِف تركيزك عن هذه الأفكار، وتحاول تغييرها؛ ففي هذا المثال، الفكرة الأساسية التي تسيطر عليك هي أنَّه سيُغمى عليك، وسيَصْعب إخراجك من وسط الصفِّ، وهنا عليك بِمُحاجَّة هذه الفكرة وتحدِّيها؛ اسأل نفسك: كم مرَّةً أُغمي عليَّ في الصلاة؟ هل مرة أم مرتين؟ ستجد أن النتيجة ضئيلة جدًّا، ومن ثَمَّ لا تستحق الاهتمام، وهكذا... تحاول إزالة هذه الفكرة حتَّى يزول القلق والأعراض الجسديَّة المُرافقة.
القاعدة الذهبيَّة هنا: ليست الأحداث هي التي تسبِّب الشعور والقلق، أو الأعراض الجسديَّة، إنما طريقة تفكيرنا في هذا الحدث، ورؤيتنا لهذه الوضعيَّة هي التي تسبِّب الأعراض النفسيَّة، أو الجسدية؛ لذلك، احرص دائمًا على مقاومة هذه الأفكار وتحدِّيها وتغييرها بشكلٍ إيجابي؛ لكي تُصْبح لديك سيطرةٌ أكبَر على هذه الأعراض، هذا الأمر يحتاج إلى التَّدريب والممارسة والتَّكرار؛ حتَّى تستطيع أن تحقِّق نتائج حقيقية.
ثالثًا: أنت بحاجةٍ إلى تدريب مستمرٍّ، وأن تُدْخِل نفسك في (دورة تدريبيَّة) أنت المدرِّب فيها؛ بحيث تقوم بخوض تجارب، أو أعمال تسبِّب لك القلق؛ لكن بشكلٍ تدريجي، بِمَعنى لو كانت الصَّلاة في وسط الصفِّ أمرًا مزعِجًا لي، سأقول لنفسي: سأقوم بعمليَّةِ تجريب لتحدِّي نفسي؛ أُصلِّي بالقرب من وسط الصف في أيِّ مكان يجلب لي القلق، لكن بنسبةٍ أقل، (لاحظ أنَّني لم أقُل في منتصف الصف).
وهكذا بممارسة هذا التدريب لبضعة أيَّام؛ سوف تجد أنَّك أصبحت أكثر مقاومةً وقدرة على التحمُّل، مع الإشارة إلى ما ذكرتُه في النقطة السابقة سيُصْبِح لديك قدرةٌ أكبر، وبِناءً عليه سوف تكتسب قدرةً متنامية على الاقتراب من الأمر المثير للقلق، هذا التدريب سيَمْنحك ثقةً في نفسك، وقدرةً على السيطرة بشكل أكبر في مثل هذه الظُّروف.
يخطئ بعض المرضى عندما يخوض في الأمر المزعج من البداية، وبناءً عليه يشعر بالقلق الشَّديد ويَنْزعج، ولا يعيد الكَرَّة مرة أخرى؛ التدريج هو الأساس، تمامًا كما لو كنت أتدرَّب على قيادة السيارة لن أبدأ بالقيادة في الطُّرق العامَّة، بل سوف أتدرَّب في الشوارع الجانبيَّة، ثم أنتقل إلى الطُّرقات الكبيرة والمزدحمة.
رابعًا: الاضطراب الذي تعاني منه يستجيب بشكلٍ جيِّد للعلاج الدوائيِّ، ولذا أتمنَّى أن تزور طبيبًا نفسيًّا في أقرب فرصة؛ حتَّى يقوم بِمُناقشة المشكلة ووضع التَّشخيص النهائي، والخُطَّة العلاجية المناسبة، ومع التقدُّم العلمي أصبح هناك مجموعةٌ من الأدوية الممتازة التي تحقِّق نتائج جيِّدة دون أن تسبِّب أعراضًا مزعجة، أو تعوُّدًا أو إدمانًا.
أتمنى لك التوفيق، وأهلاً وسهلاً بك دائمًا.