تأخر ظهور مصطلح الاستشراق في أوروبا
د. إسماعيل علي محمد
مع أن الاستشراق قد ظهر إلى الوجود منذ ذلك الزمن القديم فإن المصطلح نفسه لم يظهر في أوروبا إلا في القرن السابع عشر الميلادي كما يتضح هذا من كتابات الباحثين المعنيين.
يقول "آ. آربري": "وأول استعمال رأيناه لكلمة "مستشرق" سنة 1630م، حيث أطلق على أحد أعضاء الكنيسة الشرقية أو اليونانية، وفي سنة 1691م وجدنا "أنتوني وود" يصف "صمويل كلارك" بأنه (استشراقي نابه)، يعني بذلك أنه عرف بعض اللغات الشرقية"[1].
بينما يقرر المستشرق الفرنسي "مكسيم رودنسون" في معرض حديثه عن تاريخ الاستشراق قائلاً: "وقد ظهرت كلمة "مستشرق" في إنجلترا حوالي عام 1779م، وفي فرنسا عام 1799م، وأدرجت كلمة "الاستشراق" في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م، وأخذت فكرة إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق تلقى المزيد من التأييد"[2].
لكن تأخر ظهور مصطلح "الاستشراق" حتى التاريخ المشار إليه لا يعني أن الاستشراق لم يكن موجودًا من قبل، بل على العكس من ذلك - كما سبق أن ذكرنا -، وأما ظهور هذا لمصطلح فإنما هو تقرير وتوصيف لأمر واقع وكائن منذ قرون طويلة.
ونحن نجد في حياتنا الفكرية والثقافية مصطلحات لم تكن قديمة قدم مدلولاتها، مثل مصطلح "الغزو الفكري أو الثقافي"، الذي يُعَدّ أحدث من مدلوله، والذي يُقصد به: محاربة الخصم ومحاولة القضاء عليه بالطرق غير العسكرية، فإن توصيف هذا الضرب من الحروب وإطلاق مصطلح "الغزو الفكري" عليه - وإن جاء متأخراً - لا يعني أن الحرب الفكرية لم تكن موجودة قبل إطلاق هذا المصطلح؛ بل هو تقرير لأمر واقع منذ عشرات القرون.
بدايات الاستشراق كانت على أكتاف الرهبان
ثم إن الاستشراق في بداية نشوئه وظهور أمره قد قام على أكتاف رجال الدين النصارى، كما يتبين هذا من استقراء تاريخ الاستشراق، حيث "كان الرهبان في طليعة المستشرقين"[3].
وقد ذكر منهم العقيقي عددا غير قليل، ومن هؤلاء:
•"جربرت أورالياك 938 - 1003م"، الذي انتخب بعد ذلك حبرا أعظم باسم "سلفستر الثاني".
• و"بطرس المكرم 1094 - 1156م"، الذي عاد إلى ديره في فرنسا بعد رحلته إلى الأندلس (1141 - 1148م) وطفق يصنف الكتب في الرد على علماء الجدل المسلمين وشجب اليهود.
• والأسقف "أوف تشستر" (اشتهر من عام 1141 إلى 1148م) والذي اشترك هو وزميله "هرمان الدلماطي" (المتوفى 1172م) في ترجمة القرآن باللاتينية عام 1143م، بإيعاز من "بطرس المكرم".
• ومنهم "توما الإكويني 1225 - 1274م".
• وأستاذه "ألبر الكبير 1206 - 1280م".
• و"رايموند ومارتيني 1230 - 1284م" الذي ألف كتاب (خنجر الإيمان)، وجعله في الرد على المسلمين واليهود، واعتمد فيه على حجج الغزالي وغيره ممن تصدوا لمجادلة المشائين.
• ومنهم المبشر "رايموند ولوليو 1235 - 1314م"([4]).
[1] فلسفة الاستشراق. ص 22، نقلا عن المستشرقون البريطانيون، آربري. ص 7 - 8.
[2] تراث الإسلام، تصنيف جوزيف شاخت، كليفورد بوزورث، ترجمة د/ محمد زهير السمهوري وآخرين 1 /73، سلسلة عالم المعرفة بالكويت، ط الثالثة، عدد المحرم 1419هـ - مايو 1998م، وانظر: فلسفة الاستشراق ص 24، الاستشراق والخلفية الفكرية ص 27.
[3]المستشرقون للعقيقي 3 /249.
[4]راجع السابق 1 /110 - 124.