مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 199 - 200)
تقديرا لمجهود صاحب البوست او المشاركه فانه لا يمكن مشاهدة الروابط إلا بعد التعليق على البوست In appreciation of the efforts of the owner of the post or participation, the links cannot be viewed until after responding to the post or participation
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا رَاوَدَ أَهْلُ بَغْدَادَ مَنْصُورَ بْنَ الْمَهْدِيِّ عَلَى الْخِلَافَةِ
فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ
فَرَاوَدُوهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَائِبًا لِلْمَأْمُونِ , يَدْعُو لَهُ فِي الْخُطْبَةِ
فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ
وَذَلِكَ بَعْدَ إِخْرَاجِ أَهْلِ بَغْدَادَ عَلِيَّ بْنَ هِشَامٍ نَائِبَ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ , بَعْدَ أَنْ جَرَتْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ .
وَفِيهَا عَمَّ الْبَلَاءُ بِالْعَيَّارِينَ وَالشُّطَّارِ ( اللصوص والبلطجية ) وَالْفُسَّاقِ بِبَغْدَادَ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى , كَانُوا يَأْتُونَ الرَّجُلَ يَسْأَلُونَهُ مَالًا يُقْرِضُهُمْ أَوْ يَصِلُهُمْ بِهِ
فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ
فَيَأْخُذُونَ جَمِيعَ مَا فِي مَنْزِلِهِ , وَرُبَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْغِلْمَانِ وَالنِّسْوَانِ
وَيَأْتُونَ أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَيَسْتَاقُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَنْعَامِ , وَيَأْخُذُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الْغِلْمَانِ وَالنِّسْوَانِ
وَنَهَبُوا أَهْلَ قُطْرَبُّلَ وَلَمْ يَدَعُوا لَهُمْ شَيْئًا أَصْلًا
فَانْتَدَبَ ( تطوع ) رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : خَالِدٌ الدَّرْيُوشُ . وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ : سَهْلُ بْنُ سَلَامَةَ , أَبُو حَاتِمٍ الْأَنْصَارِيُّ , مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ , وَالْتَفَّ عَلَيْهِمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَامَّةِ , فَرَدُّوا شَرَّهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ , وَقَوُوا عَلَيْهِمْ , وَمَنَعُوهُمْ مِنَ الْعَيْثِ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا , وَاسْتَقَرَّتِ الْأُمُورُ كَمَا كَانَتْ , وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا , رَجَعَ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ إِلَى بَغْدَادَ , وَصَالَحَ الْجُنْدَ
وَانْفَصَلَ مَنْصُورُ بْنُ الْمَهْدِيِّ وَمَنِ الْتَفَّ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ .
وَفِيهَا بَايَعَ الْمَأْمُونُ لَعَلِيٍّ الرِّضَى بْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرَ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ , وَسَمَّاهُ : الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَطَرَحَ المأموم لُبْسَ السَّوَادِ , وَلَبِسَ الْخُضْرَةِ , وَأَلْزَمَ جُنْدَهُ بِذَلِكَ , وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْآفَاقِ وَالْأَقَالِيمِ . وَكَانَتْ مُبَايَعَتُهُ لَهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُونَ رَأَى أَنَّ عَلِيًّا الرِّضَا خَيْرُ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَلَيْسَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ مِثْلُهُ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ , فَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ .
فلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى بَغْدَادَ أَنَّ الْمَأْمُونَ بَايَعَ لِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ , اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ؛ فَمِنْ مُجِيبٍ مُبَايِعٍ , وَمِنْ آبٍ مَانِعٍ , وَجُمْهُورُ الْعَبَّاسِيِّينَ عَلَى الِامْتِنَاعِ
وَكَانَ الْبَاعِثَ لَهُمْ , وَالْقَائِمَ فِي ذَلِكَ : إِبْرَاهِيمُ وَمَنْصُورٌ , ابْنَا الْمَهْدِيِّ
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , أَظْهَرَ الْعَبَّاسِيُّونَ الْبَيْعَةَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ , وَلَقَّبُوهُ : الْمُبَارَكَ , وَكَانَ أَسْوَدَ اللَّوْنِ , وَمِنْ بَعْدِهِ لِابْنِ أَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى بْنِ الْمَهْدِيِّ , وَخَلَعُوا الْمَأْمُونَ
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , أَرَادُوا أَنْ يَدْعُوا لِلْمَأْمُونِ , ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِإِبْرَاهِيمَ
فَقَالَتِ الْعَامَّةُ : لَا نَرْضَى إِلَّا بِإِبْرَاهِيمَ فَقَطْ , وَاخْتَلَفَ النَّاسُ وَاضْطَرَبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ , وَلَمْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ , وَصَلَّى النَّاسُ فُرَادَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ .
( أحيانا بعض الناس يتساءل : لماذا يبقى الحُكم في عائلة معينة ؟ , رغم أنهم ليسوا أصلح الناس للحُكم ؟
الجواب هو : كما ترى بعينك , فالناس طُبِعوا منذ العصور الأولى للإسلام بأن الملك ينبغي أن يكون مِن عائلة معينة , وتوريث الحُكم كان معهودا عند البشر في كل أنحاء العالم , قبل الإسلام وبعده
فلما جاء الإسلام نسخ هذه العادة عند المسلمين , وجعل نظام الحُكم مبنيا على الشورى واختيار الأصلح , وذلك كما تم اختيار الصِّدِّيق والخلفاء الراشدين من بعده
لكن التغيُّر السريع في طريقة اختيار الخليفة , مِن نظام الشورى إلى نظام الملكية الوراثية , وذلك عندما جعل معاوية بن أبي سفيان ابنه يزيد هو الخليفة مِن بعده
هذه العودة السريعة للنظام القديم المعهود في الجاهلية , جعلت نظامَ الشورى الذي استمر فقط ( ثلاثين سنة تقريبا ) يبدو كأنه طفرة شاذة , ما لبثت هذه الطفرة أن انتهت , ليعود الحال إلى سابق عهده كما كان قبل الإسلام
فأصبح مطبوعا في عقول الناس وأَعْرَافِهم أن المُلك ينبغي أن يكون في سلالة معينة , بغض النظر إن كان المَلِكُ الجديد مؤهلا للحُكم أو غير مؤهل , المُهم هو : نَسَبُ هذا المَلِك , يجب أن يكون ابنا للملك السابقة , أو أخاه على أبعد تقدير
لذلك فإن الناس ثاروا على المأمون لمَّا أراد أن يجعل المُلك في نسل الطالبيين
هذا بالإضافة إلى النفوذ القوي الذي تتمتع به العائلة العباسية , حيث أنها حكمت حتى الآن أكثر من سبعين سنة , فهذه العائلة تضخمت ماديا واجتماعيا , وهي تعلم أنها ستخسر مميزاتها وثرواتها وقيمتها عند الناس إذا انتقل المُلك إلى عائلة أخرى , لذلك فإنها دافعت عن مُلكها وممتلكاتها بشراسة
وحالُ المأمون في هذا الموقف مُشابِهٌ إلى حد كبير حالَ عمر بن عبد العزيز , الذي أراد أن يستخلص الأموال التي أخذتها الأسرة الأموية الحاكمة آنذاك بغير حق , فأراد أن ينتزع هذه المظالم من أيدي الأمويين , ويعيدها لبيت مال المسلمين , فَجُوبِه عمرُ بن عبد العزيز بمقاومة شرسة من قِبل العائلة الأموية , واستمر نزاع الكر والفَرِّ بينه وبينهم سنتين فقط , ثم كانت نهايته ( رحمه الله ) أن مات مسموما , كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره من المؤرخين
إذن : فالحالة السياسية لأي أمة , لا يشكلها المَلِكُ وَحْدَه , وإن كان هو الذي يظهر في الصورة أكثر من غيره , لكن الحقيقة أن العائلة الحاكمة , والعادات والأعراف التي تربَّى عليها الناس , تساهم بشكل قوي في صياغة مصير تلك الأمة )
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ افْتَتَحَ نَائِبُ طَبَرَسْتَانَ جِبَالَهَا وَبِلَادَ اللَّارِزِ وَالشَّيْزَرِ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَصَابَ أَهْلَ خُرَاسَانَ وَالرَّيَّ وَأَصْبَهَانَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ , وَعَزَّ الطَّعَامُ جِدًّا .
وَفِيهَا تَحَرَّكَ بَابَكُ الْخُرَّمِيُّ , وَاتَّبَعَهُ طَوَائِفُ مِنَ السِّفْلَةِ وَالْجَهَلَةِ , وَكَانَ يَقُولُ بِتَنَاسُخِ الأرواح , قَبَّحَهُ اللَّهُ , وَسَيَأْتِي مَا آلَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ .
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ .