حكاية حسن الحقيقية
أمير سعيد
لم تبدأ حكاية حسن كما عرضها الفيلم الوثائقي الذي بثته فضائية العربية في أوله من مدينة قم الإيرانية حيث تخضع الكوادر العربية المرسلة إليها لعملية إعداد وتأهيل دقيقة من قبل الاستخبارات الإيرانية، لكنها بدأت قبل ذلك بكثير جداً.
هناك حيث مدينة صور التي قصدها جيش يزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - مستزيداً بوصية الصديق - رضي الله عنه - له: "يا يزيد إني أوصيك بتقوى الله وطاعته والإيثار له، والخوف منه، وإذا لقيت العدو فأظفركم الله بهم فلا تغل، ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن، ولا تقتلوا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تحرقوا نخلا ولا تعرفوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقروا بهيمة لمأكلة، وستمرون بقوم في الصوامع يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم لله فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين قد فحص الشيطان على أوساط رؤوسهم أفاحيط القطا فاضربوا ما فحصوا من رؤوسهم بالسيوف حتى ينيبوا إلى الإسلام أو يؤدوا الجزين عن يد وهم صاغرون، ولينصرن الله من يصنره وسله بالغيب"؛ ففتح مدينة صور وخضعت أراضيها وما حولها له؛ فأعلن ميثاق العزة والوفاء والرحمة في خطبته لأهلها؛ قائلاً: "إن الله - عز وجل - قد فتح لنا مدينتكم عنوة وأنتم الآن لنا عبيد فما شئنا حكمنا فيكم ولكن نحن إذا عاهدنا وفينا وإذا قلنا صدقنا وقد أعطيناكم الأمان من أنفسنا ولكن عليكم الجزية على من لم يدخل في ديننا ومن أسلم منكم فله مالنا وعليه ما علينا"؛ فأجاب أهلها إلى ذلك وأسلم أكثرهم..
مدينة صور وما حولها، التي فتحها يزيد بن أبي سفيان، وبيروت التي فتحها مع أخيه معاوية بن أبي سفيان رضي الله - تعالى -عنهما، ويا للمفارقة، هما البقعتان اللتان يرسمان في تاريخ حسن نصر الله زعيم "حزب الله" اللبناني نقطتي البداية والنشاط.. هما النقطتان (البازورية الجنوبية من أعمال صور) وبيروت، اللتان يعلن منهما حسن وأتباعه عداءهم السافر والإجرامي لكل من يعدونه من أحفاد الأمويين، الذين لولاهم ما كانت أسماء حسن وعبيده من أسماء المسلمين، ولولاهم لما انتسبوا للإسلام ولو انتساب الزنادقة المارقين.
من هنا تكون البداية، نقطة انعدام الوفاء، للأجداد الفاتحين الذين لولاهم لكان اسم حسن يوحنا، والموسوي بطرسَ، وهكذا.. ومن هنا تطفح الخسة؛ فكل ما أوصى به الصديق -الذي يدعوه أتباع حسن وأشياعهم بالزنديق، حاشاه رضي الله - تعالى –عنه-، قد فعلوا نقيضه فغلوا ومثلوا وجبنوا وقتلوا الشيوخ والولدان والنساء وحرقوا النخيل وسعوا في الأرض ليفسدوا فيها، وحرقوا المساجد وبيوت الآمنين، وأرض الشام شاهدة على جرائمهم المنكرة، ومن هنا ينعدم الوفاء في كل عهد وهدنة.. وكل هذا مع المسلمين دون سواهم.
هذه حكاية حسن الحقيقية، ولد في البازورية ثم انتقل مع من انتقل إلى مدينة النجف العراقية في مهمة تحضيرية لمرحلة ما بعد نجاح الثورة الإيرانية التي رعتها فرنسا وساندتها روسيا، حيث ستكون المهمة زراعة كوادر في بلدان العالم الإسلامي بغية التحرك عند الضرورة للقيام بمهمة طائفية محددة.
تلقى حسن تعليمه الشيعي في النجف في سن السادسة العشرة، لكن تأهيله الحقيقي كان استخبارياً حين بُعث إلى مدينة قم بعد الثورة الإيرانية ضمن قائمة طويلة للتجهيز لمهمات مختلفة، اختير فيها حسن ليكون خطيباً وقائداً، فمنح توكيداً على نسبته المزعومة لآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فارتداء العمامة السوداء يعني المكانة الدينية، والنسبة النبوية معاً، وهما اللازمتان لاحقاً لتضفى على الكادر المختار الكاريزما المطلوبة لقيادة قطعان المغيبين من دافعي الخمس، والمضحين بأرواحهم من أجل أن يتنعم الملالي وقادة الحرس الثوري في إيران بالمليارات والقصور والضيع!
عاد حسن أواخر الثمانينات بعد دورات مكثفة يتقنها استخباريو قم لصناعة "زعيم"؛ فتولى بعد قليل مهمة رئاسة "حزب الله"، حيث سينقل دوره من الحالة الطائفية العربية إلى الفارسية، وسيدفع بهذا الاتجاه متسلحاً بمهمة تبدو شديدة الباطنية والغموض والاحترافية، مناوشة الكيان الصهيوني من أجل تأمينه!
أعلن حسن وقتها هدفه الواضح لكوادر الحزب وأعضائه المقربين، وبينه في تسجيل مسرب شهير: "لن يكون لبنان هو الجمهورية الإسلامية، وإنما سيكون جزءاً منها، وسيكون قائدها هو نائب صاحب الزمان، مرشد الثورة الإيرانية.. الخميني"، وما أعلنه بين أشياعه المقربين باح به في الملأ في أعقاب حرب يوليو 2006 حين أعلن الولاء التام لخامنئي من بعد الخميني.
في يوليو 2006 ضحت "إسرائيل" بـ184 درزياً ومستعرباً وقليل من اليهود فقط من أجل أن تستقر لبنان، كل لبنان في يد "حزب الله" وتخضع لتحالف صفوي ماروني يقوده حسن وينزل عن رأيه الجميع من ساسة لبنان.
مرت عشر سنوات، ظهر فيها حسن قليلاً جداً ليس لأنه مستهدف، بل لأن الحبكة الدرامية الطائفية تستدعي غموضاً ورهبة للقادة "المستترين"، وبهاء وتألقاً لهم عند ظهورهم.. مرت تلك السنون، واستقر الوضع تماماً في لبنان وعلى حدود فلسطين المحتلة، لا حرب من هذه الجهة أبداً.. لقد أمنت "إسرائيل" بسبب حسن وعبيده تماماً، ولم يعد من خطر يتهددها، لقد غابت المقاومة السنية أو غيبت قهراً بسبب مقاومة حسن وحزبه المسرحية، ولم يعد من حق الفلسطينيين المهجرين، ولا اللبنانيين الثائرين أن يصيبوا الكيان الصهيوني ولو بحجر بسبب "ممانعة" حسن.
مرت عشر سنوات، نصفها تقريباً تشهد فيها الشام مجازر تلو أخرى، بيد القصاب حسن.. آلاف السوريين ارتقوا شهداء على يد ميليشياته، مئات الآلاف هجروا بيوتهم بسببه.. مساجد المسلمين بالمئات هدمتها أسلحته، ولم يسلم منها حتى مسجد خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بحمص المدمرة، الذي لولاه لما كانت أسماء سادة حسن في قم وطهران تشبه أسماء المسلمين، ولو لم يكونوا مثلهم، والذي لولاه لما كانت صور وبيروت ثغوراً لدمشق..
هذه حكاية حسن الحقيقية..هذي حكاية حَزَن..