نهال نبيل - سارة ممدوح
يثير الهدوء الذي يسود العلاقة بين تنظيمي
القاعدة وداعش في القارة الإفريقية، على عكس الصراع المحتدم بينهما في الدول العربية وآسيا، الشكوك حول وجود تنسيق أو شكل من أشكال التعاون بينهما، وهو ما يهدد بتضاعف الخطر الإرهابي الذي يرهق القارة.
لم يحظَ داعش بذات نجاح القاعدة في أفريقيا، ففضلًا عن الوجود التاريخي للقاعدة وتمتعها بحاضنة شعبية، فقد لجأت إلى العودة إلى مناطق نفوذها التقليدية في شمال وغرب أفريقيا، بعدما أصبح لتنظيم داعش الإرهابي نفوذ كبير في البلاد العربية ودول شرق آسيا، ولم تستطع القاعدة تحقيق نفس النجاح فيها؛ وفقًا لما أوضحه على بكر، الباحث بشئون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام.
وتمكنت القاعدة من زيادة انتشارها في أفريقيا وأصبح فرعها في بلاد المغرب الإسلامي الأنشط بين أفرعها حول العالم، وتعاون مع تنظيمات أفريقية مصغرة مثل جبهة تحرير ماسينا وجماعة أنصار الدين في شمال مالي، وتمتعت القاعدة بالدهاء الذي جعلها تحافظ على العلاقات الودية والاتصالات مع الفصائل الجهادية الأفريقية التي بايعت داعش، فأكد جمال عكاشة المكني بيحيى أبو همام، أمير "إمارة الصحراء الكبرى" التابعة لفرع القاعدة في بلاد المغرب، أن القاعدة على علاقة طيبة بجماعة "المرابطين" المكونة من اتحاد جماعتي "التوحيد والجهاد" و"الملثمين" المنفصلتين عن القاعدة، والتي بايع قائدها عدنان أب الوليد الصحراوي أبوبكر البغدادي زعيم داعش في وقت سابق.
بعض الهجمات البارزة التي شنها تنظيم القاعدة في دول أفريقية اعتبرها باحثون حلقة في صراعه مع
تنظيم داعش، حيث اعتبر "محمود عبد الله"، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن هجوم القاعدة على فندق سبلنديد في مدينة واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو حلقة في ذلك الصراع. مفسرًا في تصريحات لـ "البوابة نيوز": "القاعدة اختارت الهجوم في بوركينا فاسو لكونها بعيدة عن نفوذ داعش وهجماته، وبالتالي يمكنها شن هجوم بها وإثبات قوتها في إطار صراعها مع داعش الذي تشهده البلاد العربية، حيث تريد القاعدة نقل هذا الصراع من البلاد العربية إلى كل النقاط المتاحة في العالم".
وشهدت ليبيا القليل من الخلافات بين التنظيمين، بالمقارنة بخلافاتهما في المناطق العربية الأخرى وأبرزها سوريا والعراق، خاصة منطقة درنة في يوليو الماضي، فاعتبر داعش آنذاك أن فرع القاعدة في ليبيا ومؤيدوها مرتدون تجب محاربتهم، بينما اعتبرت القاعدة أن
داعش متطرفون خوارج وتجب محاربتهم كذلك، وقالت في بيانها آنذاك أن داعش منذ نشأته "أبطل البيعات وفرق الجماعات وكفر المخالف دون بيان وسفك الدم الحرام".
وربما لم يبادر داعش بتطوير الخلاف مع القاعدة في ليبيا نظرًا لأنه يعتبرها محطة انتقالية وليست معقلًا أساسيًا، وفقًا لما رآه كامل عبد الله المتخصص في الشأن الليبي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذي قدّر كذلك أن داعش يتخذ من ليبيا مقرًا لضرب المصالح الغربية في النيجر ومالي وتنفيذ عمليات في منطقة الساحل والصحراء بأفريقيا، بالتشبيك مع مجموعات متطرفة أخرى مثل
جماعتي بوكو حرام.
وكذلك تمثل الصراع في انتقال تنظيمات مصغرة تابعة للقاعدة إلى مبايعة داعش في أفريقيا، مثل "جند الخلافة" بالجزائر و"كتيبة عقبة بن نافع" بتونس، وتحالف "القاعدة في الساحل" الذي يضم عدة كتائب من منطقة المغرب العربي منها "المرابطون"، ولكن جماعة المرابطون عادت إلى أحضان القاعدة مرة أخرى.
كما حاول داعش اختراق
تنظيم القاعدة في المغرب أكثر من مرة وفشل، كما حاول اختراق كتيبة المرابطين التابعة له بزعامة الجزائري مختار بلمختار، والتي كانت في قطيعة مع القاعدة لأربع سنوات قبل أن تعود إليها مرة أخرى. وحاول داعش كذلك اختراق حركة شباب المجاهدين ونجح في استقطاب مجموعات منها، إلا أن بيانًا رسميًا للحركة في نوفمبر الماضي هدد من ينشق عن الجماعة للانضمام لداعش بالذبح، باعتبار أنه "يقوّض وحدة الحركة".
وأشار عبد الله، في تصريحاته لـ "البوابة نيوز"، إلى وجود تخوفات كبيرة من إقامة علاقات بين داعش والتنظيمات الأخرى في أفريقيا مثل قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي التي تنشط في القارة، فقد يُحدث ذلك نقلة نوعية في قدرات التنظيم على المستوى التنظيمي ومستوى العمليات. فيما اختلقت معه د. أماني الطويل، الباحثة بالشئون الأفريقية في مركز الأهرام، مستبعدة أن تشهد بقية القارة الأفريقية الحالة التي تشهدها الدول العربية في الشمال، من صراع بين تنظيمي القاعدة وداعش على مناطق النفوذ، وأكدت أن الصراع بين هذه التنظيمات جميعًا هو بالأساس صراع ثانوي، وأن بينهما قدر من التعاون والاندماج.
واتفق معها بكر معتبرًا أن وجود تعاون أو تشبيك بين
تنظيم القاعدة وداعش مستحيل أن يحدث، في ظل الاختلاف الفكري الذي نراه في تبني داعش للعنف، عكس ما يحدث من جانب القاعدة.
وأوضح في تصريحاته لـ "البوابة نيوز": الصدام الدائر بين القاعدة وداعش في سوريا والعراق واليمن له دوافعه، حينما تتعارض المصالح بينهما فيكون الحل الأمثل هو الصدام، حتى يتمكن كل منهم من الحفاظ على مكانته. بينما الوضع في أفريقيا وبلاد المغرب العربي يجعل بينهما تعايش وتصالح دون صدام، طالما لم يكن هناك تعارض في المصالح".