فوائد القروض.. البعض لا يحسبونها جيدًا
غادة الشافعي
من المدهش أن نرى البعضَ قد يتحرى أعلى المصارفِ فائدةً على القروض، ويسأل ويستشير ويدرس كل فرص الاستثمار، ودرجة الأمان والمخاطرة، والحزم المصرفية المختلفة، ثم إذا به يرمي بأمواله في قروض هي الأبخس فائدة؛ إذ فائدتها سالبة، وهي الأعظم خطرًا؛ إذ درجة المخاطرة بها 100%.
.. ذلك أنه ربما استمع لوعود المصارف المختلفة وموظفيها، ولم يتحرَّ الأصدق وعدًا والأقدر على تنفيذ ما يعد به..
فنقول له: {.. وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ..} [التوبة: 111]، {.. وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 120]..
وإلا فكيف يقرأ المسلم في القرآن الكريم قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا..} [البقرة: 276]، ويظل يتعامل به؟!
ويسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قِلَّة" [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما عن الدرر السنية - الموسوعة الحديثية].
ثم هو ما زال يجمع الأموال، ويفني في جمعها عمره؟!
فلنحسبها جيدًا..
.. نعم دعونا نحسبها جيدًا، ولعلنا بمتابعة بعض العلاقات الاقتصادية البسيطة، نستطيع أن نفهم أقل ما يمكن أن يصيبنا به الربا من ضرر:
.. فأنت إذا وضعت أموالك بالبنوك وفعل ذلك غيرُك وغيره، وجلسنا جميعًا في بيوتنا ننتظر الفائدة الزهيدة التي يلقي بها البنك إلينا، فمن الذي سيزرع ويصنع ويتاجر؟!
.. لن نجد أحدًا يفضل المشقة على الراحة، فالناس جميعًا ستصبح سلعتهم وتجارتهم هي النقود، التي لا تؤكل ولا تلبس!..
فيقل إنتاج السلع..
ومن ثم يقل المعروض..
وتزيد الأسعار..
وتقل القيمة الحقيقة للنقود، فما كنت تستطيع شراءه بالأمس بألف، لن تشتريه اليوم بألف وخمسمائة..
وهكذا تقل قيمةُ ما معك من نقود وأنت جالس في بيتك، ولا تستطيع الفائدةُ الزهيدة للبنك أن تعوض هذه الخسارة..
وهذا أمر ملاحَظ لدى الناس جميعًا حتى العامة منهم، فكلنا مع غلاء الأسعار يصرخ بأن النقود لم يعد لها قيمة.
فضلا عن أن كنز الأموال بالبنوك يقلل من قيمتها الاسمية أيضًا لدفع زكاتها كل عام، مع انخفاض قيمتها الحقيقية..
.. أما لو استعملنا هذه النقود، ولم نضعها بالبنوك، أو حتى أقرضناها لمن يعمل بها قرضًا حسنًا بلا فائدة..
فزَرَعنا وصنَعنا وتاجَرْنا..
فسوف يزيد الإنتاج..
ومن ثم تزيد السلع..
ويزيد عرضها..
وتقل أسعارها..
فتزيد القيمة الحقيقة لنقودك..
وذلك يعني أن ما كنت تستطيع أن تشتريه بألف في العام الماضي، تستطيع اليوم أن تشتريه بخمسمائة فقط..
وإن كنا بالطبع بعد أن تعاملنا مع البنوك وتعاملنا بالربا، لم نعد نتخيل أن ثم سلعة يمكن أن ينخفض سعرها..
ومع ذلك وبدونه فالله -عز وجل- هو الذي يخلق الأسباب، ومناط الأمر عند المسلم يجب أن يكون طاعة الله عز وجل، رغبة في رضائه وخوفًا من عقابه، وإلا فوعدُ الله محقق لا محالة بمحقِ الربا، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
فأنت لا تعرف هل ستنفق مالك على ولد فاسد ستبتلى به؟ أم على مرض عضال؟ أم ستضيع منك؟ أو تسرق؟ أم سيصيبك شؤمها فتشقى بها فتلقيها بيديك في البحر لتتخلص منها؟ أم ستموت وتتركها؟
.. لا تدري.. وإنما هي إلى قلة ومحق لا محالة..
وليست هذه دعوى للتخويف من الربا بغير دليل، فلقد عرفنا – منذ عرفنا الربا- الذلَّ والهوان بين الأمم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضن الناسُ بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعِينة، وتبعوا أذنابَ البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله تعالى عليهم ذلاًّ، لا يرفعُه عنهم؛ حتى يراجعوا دينهم" [صحيح عن الدرر السنية، والعينة: هي من أنواع الربا]..
وكذلك فقد عرفنا الزلازلَ والأمراض المستعصية، وكيف تُقطع أجزاءٌ من جسم الإنسان أمام عينيه وهو حي في المستشفيات، ويلقى بها، إن لم تسرق منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله" [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما - الدرر السنية].
وعرفنا تلاعب شياطين الإنس والجن بالناس حتى صار الناس لا يكادون يرجعون ضررًا أصابهم إلا لمسّ الجن والسحر، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275].
وعرفنا العقوق، وسوء الخلق في أدنى الدرجات، وعرفنا المجاعات وويلات الحروب غير المتكافئة، إذ يقول تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
فهلا رجعنا؟..
بشرى للمتعاملين بالربا: تب الآن واستمتع بمالك..
فإن كنت ممن يدفع الفوائد الربوية للآخرين، فلا يلزمك إلا التوبة..
وإن كنت ممن يعملون في المصارف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه" [صحيح]، فلا يلزمك إلا التوبة أيضًا..
وإن كنت ممن يأكلون الربا، ويعطون القروض بفوائد، أو يضعون أموالهم في البنوك بفوائد، فتخلص من هذه الزيادة الربوية فورًا، ثم لن يلزمك بعد ذلك إلا التوبة أيضًا، يقول تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].
وما التوبة إلا استشعار الندم والاستغفار على الذنب والعزم على عدم العودة صادقًا، ورد الحقوق إلى أصحابها..
فتطهر وتهنأ بحياتك وترجو رحمة الله وبركته في المال والأهل والعمر.
وإن كنت تبحث عن التجارة مع الله عز وجل، فدونك القرض الحسن..
القرض الحسن.. مغلاق للشر والحرام، مفتاح للخير والبركة..
فإن أنت أقرضت أخًا لك مسلمًا، فلا شك أنك بذلك تعفه عن أكل الحرام، وتنجيه من حرب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا قبل لأحد بها..
ألم يقل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ..} [البقرة: 279].
ولسوف تفتح عليه أبواب خير كبيرة، ومن خلف كل باب نوافذ عديدة..
ومثال ذلك إن أنت أقرضت أخًا لك مسلمًا ليتزوج..
- فبسبب قرضك الحسن له، سيبدأ حياته بالحلال..
- وسوف تعفه وزوجه..
- وتدخل السرور على قلبيهما وقلوب أهليهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن، تقضي عنه دينًا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة" [خلاصة الدرجة: صحيح - الموسوعة].
- وقد ينجبان بإذن الله تعالى، فتأتي ذرية طيبة توحد الله عز وجل، ويكثر بها سواد المسلمين وتنتفع بها أمتها..
- وهو تفريج لكربة أخيك المسلم، وستر له؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "..ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" [خلاصة الدرجة: صحيح - الموسوعة].
- وسوف تدور عجلة العمل في المجتمع وذلك بطلب خدمات الزارع والصانع والتاجر، وستزيد السلع ويقل سعرها، فتزيد قيمة أموالك الحقيقية، فتستطيع أن تشتري بها عند عودتها إليك أضعاف ما كنت ستشتريه بها، لو أنك كنزتها بالبنك.
فضلا عن أرباحك أنت شخصيًّا التي كفلها الله عز وجل لك، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرة إلا كان كصدقتها مرتين" [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما - الدرر السنية].
هذه فائدة مضاعفة فور إقراضك لأخيك، وليست سنوية، وهي شاملة لفوائد الثواب والبركة..
فضلا عن قول الله جل وعلا: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
أفما زلت تطمع في تلك النسبة الربوية الضئيلة 10%؟!
أم إنك الآن أصبحت تحسُبها جيدًا؟..