هل أقبل هذه الوظيفة؟
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاءتني وظيفةٌ في شركةٍ لبنانية متخصصة في جلبِ توكيلات الشركات العالمية للملابس، وشركات الأطعمة، و(الإكسسوارات)، والأثاث، وما إلى ذلك، من الخارج، وتعملُ على إدارةِ فروعِ هذه المحلات في بلدان عربية كثيرة؛ مثل: مصر، والإمارات، وسلطنة عمان، والسعودية، وغيرها.
ووظيفتي تتمثَّلُ في تسجيلِ البيانات الخاصة بالملابس، والبضائع القادمة من الخارجِ على الحاسبِ الآلي، فهل من الممكن أن أقبلَ هذه الوظيفة؟ علمًا بأنَّ الملابس قد يكون بها ملابس مكشوفة للنِّساء، وغير مناسبة مع تعاليمِ الإسلام، فهل بهذا الفعلِ أكون قد شاركتُ في مساعدةِ هذه الشركة على عملِها هذا؟ وشكرًا.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا ينبغي للموظفِ أن يخالفَ الشرعَ في عملِه؛ فيُعِين على ما حرمه الله من تبرُّجٍ وسفور؛ فإن اشترطتَ على أصحابِ العمل أنك ستُدخِل- فقط - بيانات البضائع المباحة من الأطعمةِ والأثاث وغيرها، وعدم إدخال غيرها، مما لا يجوزُ بيعه؛ كالملابس المكشوفة، ووافَقَت الشركةُ على ذلك - فلا بأسَ بالعمل.
وأمَّا إن لم تتمكن من العملِ إلا بإدخال بيانات الملابس المكشوفة، فلا يجوزُ الالتحاق بتلك الوظيفة؛ لما فيها من الإعانةِ على المنكر، والواجبُ على المسلمِ تعظيمُ حدود الله، فلا يرضى أن يُعْصَى الربُّ - تعالى - من طريقِه، ولا يَقبَل أن يكونَ من أعوانِ الشَّيطان وحزبه؛ فيدخل في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
ولا شك أنَّ إعانةَ النساء المتبرجاتِ على نشر الفساد والخلاعة في المجتمع، من أعظم الإعانةِ على الإثم والعُدْوان؛ قال ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (4/387):
"وكلُّ لباس يغلِبُ على الظنِّ أن يُستَعان بلبسِه على معصية، فلا يجوز بيعُه وخياطتُه لمن يستعين به على المعصيةِ والظلم، وكذلك كل مباحٍ في الأصل عُلِمَ أنه يُستَعان به على معصية". اهـ.
وقال - أيضًا - كما في "مجموع الفتاوى" (22/141):
"إذا أعان الرجل على معصيةِ الله كان آثمًا؛ لأنه أعان على الإثمِ والعدوان؛ ولهذا لعن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الخمرَ، وعاصِرَها، ومُعتصرها، وحاملَها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريَها، وساقيَها، وشاربَها، وآكلَ ثمنِها.
وأكثرُ هؤلاء - كالعاصرِ، والحامل، والساقي - إنما هم يعاونون على شربِها، ولهذا يُنهَى عن بيعِ السِّلاح لمن يقاتل به قتالاً محرَّمًا؛ كقتالِ المسلمين، والقتالِ في الفتنة". اهـ.
وقال ابن حزم في "المحلى" (7/522):
"ولا يَحِلُّ بيعُ شيءٍ ممن يوقنُ أنه يعصي اللهَ به أو فيه، وهو مفسوخ أبدًا؛ كبيعِ كل شيء يُعصر ممن يُوقن بها أنه يعملُه خمرًا، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقِن أنه يعدو بها على المسلمين، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه، وهكذا في كل شيء؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]".
ولْتعلم - رزقنا الله وإياك رزقًا حلالاً - أنَّ مَن ترك شيئًا لله، عوَّضَه الله خيرًا منه؛ كما صحَّ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وصحَّ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إن رُوحَ القُدُس نَفَثَ في رُوعِي أنَّ نفسًا لن تَموتَ حتَّى تستكمل أجَلَها وتستوعِبَ رزقَها؛ فاتَّقُوا الله، وأجْملوا في الطَّلَب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبَه بمعصية الله؛ فإن الله - تعالى - لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛ رواه أبو نعيم في "الحلية"، من حديث أبي أمامة، وصحَّحه الألباني.
فما قُدِّر لكَ من رزقٍ سيأتيك لا مَحالة.