أضرار اختلاف نسبة النص التراثي
د. محمد علي محمد عطا
اختلافُ نِسبة النصوص التراثية ظاهرةٌ تَشغل حيِّزًا في قضايا التراث العربي، ورغمَ أهميَّة تحقيق نِسبة النص يتهاون بعضُ المحقِّقين فيه، ويعالجونه معالجةً دون المستوى؛ إمَّا لقلَّة الوعي بالأمور التي مِن الممكن مِن خلالها تحقيقُ النسبة، أو تكاسلاً، بعدَ الجهد المبذول في تحقيقِ النص.
ورغبةً منِّي في زيادة الوعي بأهميةَّ تحقيقِ نِسبة النصِّ التراثي عندَ تحقيقه أو فهرسته؛ رصدتُ أضرارَ هذه الظاهرة؛ لتكونَ حافزًا على الاهتمامِ بهذا الأمْر، ومِن أهمِّ أضرارها التي رصدتُها أنها:
1- تُحدِث خللاً في خريطة التراث؛ إذ كيف نضَع الكتاب المختلف في نِسبته وبالتالي في عصرِه، في مكانِه مِن خريطة التراث العربي والإسلامي، التي تُعطي تصورًا عن حركةِ التأليف وتطورها، فمثلاً كتاب مثل "منظومة في النحو" نُسِب للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ) بما فيه مِن مصطلحات، وبأهميَّته في التأريخ للنحو العربي وتطوُّر مناهج دِراسته والتأليف فيه، نُسِب لرجلين، الخليل بن أحمد (ت175هـ)، ولرجل من عمان اسمه أحمد بن مانع بن سليمان بن مدَّاد بن ربيعة بن محمد بن راشد بن صلت بن ربيعة بن أبي غسان (توفي في القرن التاسع )[1]، وشتَّان ما بين القرنين الثاني والتاسِع!
2- تؤدِّي إلى إضاعةِ مجهودٍ كبير في تحبيرِ البحوث، مِن حيثُ البحثُ عن النسبة وتقييم الأدلَّة والمناقشة، والردُّ بين المحقِّقين على صفحاتِ الدوريات المتخصِّصة، فمثلاً كتاب "إعراب القرآن" المنسوب إلى الزجَّاج (ت311هـ) كُتِب في نسبته ما يقرب مِن خمسة بحوث، فوق الدِّراسة التي أعدَّها الأبياري في آخِر الكتاب المحقَّق، فالنفاخ كتَب بحثين في مجلَّة مجمع اللغة العربية بدمشق[2]، والدالي كتَب بحثين[3]، وغيرهم.
وكتاب "الجُمل في النحو" فضلاً عن القُدامى الذين تناولوا نسبتَه بالفحْص والتمحيص، كتَب فيه مِن المُحدَثين تسعةُ باحثين: سعد أحمد سعد جحا، في مقدِّمة تحقيق له بعنوان "وجوه النصب"، ونسبه لابن شقير (ت 315هـ)، وحقَّقه فائز فارس ونشَره بعنوان "المحلى: وجوه النصب"، ونفَى نسبتَه للخليل، وأيَّدها لابن شقير، ومحمَّد أحمد علي سحلول نفَى نسبته للخليل، وفَخر الدين قباوة استبعدَ في نشرته له بعنوان "الجمل في النحو" نسبته لابن شُقير ومال لنِسبته للخليل، وتعرَّض سعود أبو تاكي لأدلَّة د. قباوة ولم يقتنعْ بها ورجَّح نسبتَه لابن شقير، ومحمد إبراهيم عبادة في كتابه "الجمل في النحو المنسوب للخليل دراسة تحليليَّة" اطمأنَّ إلى نسبته للخليل، وجزَم محمد خير الحلواني بأنَّه ليس للخليل، وحسين أحمد أبو عباس نشَر بحثًا عام 2005م / 1425هـ، ونسبه لابن خالويه (ت 370هـ)[4].
و"شرح الفصيح" المنسوب للزمخشري (ت: 538هـ )، كَتَب عن نسبته كلٌّ من: يحيى الجبوري في كتابه "ابن درستويه"، وعلي مشري في كتابه "أبو هلال العسكري وآثاره في اللغة"، وإبراهيم الغامدي في مقدِّمة تحقيقه للكتاب، وفي بحث "الرد الصحيح لمن حاول دفْع نِسبة شرح الفصيح"؛ ردَّ على بهاء الدين عبدالوهاب الذي كتَب بحث "الجواب الصحيح لِمَن نسب إلى الزمخشريِّ شرْحَ الفصيح"، وردَّ عليه بهاء الدين ببحثٍ ثانٍ، ثم تدخَّل محمد الدالي ببحث دافعًا نِسبته عن الزمخشري، فردَّ عليه عبدالعزيز المانع ببحث "الدليل الشافي على تأمُّلات ونظرات الدالي في شرْح الفصيح للزمخشري"؛ ثم ردَّ الدالي على ردِّ المانع، ثم تدخَّل عبدالله العزام ببحث "شرح الفصيح ليس للزمخشريِّ، بل للإستراباذي"، فهذه تِسع مواد في نِسبة كتاب واحد، منها أكثر مِن بحث في عددٍ واحد مِن أعداد مجلَّة واحدة[5].
ومِن أجْلِ معرفة مؤلِّف كتاب "تراجم الشعراء" الذي نُسب للثَّعَالِبي خطأً، تصفَّح شاكر العاشور كتاب "تلخيص مجمع الآداب" لابن الفُوَطِيِّ (ت723هـ) جميعه وصبَر على معاينته سطرًا سطرًا؛ علَّ ابن الفوطي يُعيد ذكْر الكتاب بصيغةٍ هي أقرب إلى اسمِ الكتاب المذكور، فكان ما أراد[6].
3- تؤدِّي إلى ضياعِ كثيرٍ مِن وقت المحقِّق، فقدِ استغرق تحقيقُ نِسبة كتاب "المذاكرة في ألقاب الشعراء" على يدِ الدكتور شاكر العاشور عشرَ سِنين، حيث يقول[7]: "ابتسمت في داخلي عشر سِنين كئيبة، حين وجدتُ بعضَ قصائد الديوان هي ممَّا نَسبه مصنِّف كتابنا إلى نفْسِه في الكتاب..."، ويا لها مِن فترة، ويا له مِن صبر!
واستغرَق تحقيقُ نِسبة كتاب "التاج في أخلاق الملوك" الذي بدأ العلاَّمة أحمد زكي باشا تحقيق نسبته عام 1914م/ 1332هـ ما يقرُب مِن إحدى وسبعين سَنة، حيث توصَّل جليلُ العطية إلى نِسبته بدليلٍ يقيني، عام 2003م/ 1424هـ.
4- تؤدِّي إلى هدْمِ ما ثبَت مِن تاريخ التأليف في الفنّ، والمصطلحات والمذاهب والآراء، مثال ذلك نِسبة كتاب "منظومة في النحو" للخليل بن أحمد (ت: 175هـ)، رغم أنَّ عصر الخليل "لم يكُنْ عصرَ منظومات، ولم تكن الحاجة داعيةً إليها"[8].
كما أنَّ "نِسبتها للخليل تهدِم بناءَ النحو الذي استقرَّ منذُ أكثر مِن عشرة قرون بشأنِ المصطلحات والمذاهب والآراء النحوية"[9]، وبالتالي يهدِم جزءًا كبيرًا يقوم عليه عماد تاريخ النحو العربي.
وبيَّن الدكتور فخر الدين قباوة أنَّ نِسبة كتاب "الجُمل" للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175هـ) ستُثير زوبعةً مِن النقد والآراء؛ لما فيه مِن المعضلات التي تخالف معارفَ علماء النحو والصرف عن تاريخهما ودروسهما ومصطلحاتهما، والقراءات القرآنيَّة، والشواهد، والأدوات، ومعاني الحروف؛ لأنَّ معالم هذا الكتاب بهذه النسبة تهدِم كلَّ ما رَسموه وسطَّروه وأرَّخوه، وتَفتَح ميادينَ جديدةً مِن حيث المصطلحاتُ والمذاهبُ والتوجيهات والأحكام النحويَّة، حتى رُمِي كلُّ تاريخ النحو بأنَّه أمور "نظريَّة لم تُدرك مرحلةَ النضج للحقائق العلميَّة الراسخة، ولا بدَّ فيها مِن إعادة البحث والتحقيق..." [10].
ونُدرِك أنَّ هذا الكلامَ سببُه خطأٌ في النسبة، ولما تحقَّقت النسبة تحقيقًا صحيحًا ذهبتْ كلُّ هذه الهواجس، وعاد الحقُّ إلى نِصابه، ورسخ تاريخ التأليف للفن، وثبتتِ المصطلحات.
5- النِّسبة الخاطئة لشخصٍ ما تُحمِّل جوانبَ شخصيته صِفاتٍ لم تُذكر في كتُب التراجِم،وربما تخالِفها وتُثبت غيرَها، مما يهدِم ثابتًا بدليلٍ ليس صحيحًا، ومثال ذلك، أنَّ الدكتور أحمد عفيفي حاول التوفيقَ بيْن ما عُرِف وشاع عن جانبٍ من جوانبِ شخصية الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو جانبُ الزهد، والتقشُّف الشديد، وبيْن ما وجَده في المنظومة النحويَّة التي وجدَها مِن غزليَّات ودلائل على التفتُّح على الحياة، ممَّا جعلَه يقسم حياةَ الخليل قِسمين: قسم شباب، وكان فيه يعيش حياتَه العادية "وربَّما كتَب غزلياتِه في هذه المرحلة "، وقسم وقار[11]، وكل هذا بسببِ ما وجد في الكتاب الذي نَسَبه للخليل.
وأين نضَع كتابًا مِثل مقدِّمة في النحو المنسوب لخلَف الأحمر (ت: 180هـ)، في تصنيفِ شخصيته، وهو المعروف في التُّراث بفنِّ الشِّعر وروايته وبمعرفةِ غريبه؟ هل نُضيف لشخصيته هذا الجانبَ النحويَّ غير المتيقَّن، أم نحذفه مِن شخصيته وقد يكون صحيحًا له؟!
وبيَّن سيف عبدالرحمن العريفي تحتَ عنوان "أثر نسبة الكتاب [معاني الحروف] إلى الرُّمَّاني (ت: 384هـ) في بعضِ أعمال المعاصرين"[12]: أنَّ هذا الكتاب - معاني الحروف - نُشِر قبلَ أكثر مِن عشرين عامًا منسوبًا إلى الرُّماني، ولم ينشرْ له قبلَه كتابٌ في النحو أوسع منه، فاعتمد الباحِثون عليه اعتمادًا كليًّا في توثيقِ آراء الرماني، والحُكم على منهجِه في النحو، والمقارنة بيْن آرائه وآراء غيرِه مِن العلماء، وكل هذا قائمٌ على خطأ؛ لعدمِ صِحَّة نِسبة الكتاب الذي اعتمدوا عليه إلى الرُّمَّاني.
6- تؤدِّي إلى بِناء استنتاجات خاطئة تُخالِف المعهود؛لأنَّها بُنيت على مقدِّمات خاطئة،فمثلاً الدكتور أحمد عفيفي محقِّق "المنظومة النحوية" المنسوبة إلى الخليل، والتي رجَّح نسبتَها إليه، زعَمَ أنَّه توصَّل مِن خلال دراسة تلك المنظومة إلى نتائجَ مهمَّة، منها أنَّ كثيرًا مِن المصطلحات نُسبتْ خطأً إلى الكوفيِّين وليستْ للكوفيِّين، ولكنها للبصريِّين، وللخليل خاصَّةً، ومِن أهم ِّ أمثلته على ذلك مصطلح النَّسَق [نوع من أنواع العطف] الذي أُرِّخ له لفترة طويلة على أنَّه مصطلحٌ مِن مصطلحات الكوفيِّين، وإثبات منظومة في النحو للخليل يَنسِف هذا.
ومِن نتائجه أيضًا أنَّ الخليلَ يستشهد بأعلامٍ لا يُعرَف لهم في تاريخ النحو جهد، وجعَل قطرب مِن تلاميذ الخليل رغمَ عدَم ذِكْر المصادر لهذه التلمذة، بل اتَّهم المؤرِّخين بالصمتِ عن هذه العلاقة، وغير ذلك مِن النتائج المخطِئة[13].
7- أنَّها تؤدِّي إلى إلقاء التُّهم بالسطو جزافًا؛ بسبب اختلالِ الترتيب التاريخي، مثال ذلك قول أحمد زكي باشا عندَ تحقيق نسبة كتاب "التاج" للجاحظ (ت: 255هـ)[14]: "وإذا نظرْنا الآن مِن جهةٍ أخرى، رأينا أنَّ جماعة مِن المؤلفين قد سَطَوا على هذا الكتاب، كما أغار غيرُهم على كثيرٍ مِن بقيَّة الآثار التي دبَّجها بنان الجاحظ، وقد أشرتُ إلى شيءٍ مِن هذا القبيل في الحواشي التي حُلِّيت بها صفحاتُ هذه الطَّبعة..."، وثبَت بعدَ ذلك يقينًا أنَّ الكتاب ليس للجاحِظ، ولم يسرقْ منه أحدٌ شيئًا.
ومِثال آخَر ما فعَله محقِّقو كتاب "الحِكم والأمثال"، الذين نَسبوه خطأً - كما أكَّد الأستاذ الدكتور عبدالرازق حويزي - لأبي أحمد العَسكري (ت: 382هـ)، ومِن ثم اتهموا الإبشيهي (ت: 852هـ) بالسطوِ على هذا الكتاب، وكالوا له التُّهم، فكان ممَّا قالوه[15]: "فانقضَّ عليه دون أن يُبرِّئ ذِمَّته أمامَ محكمة التاريخ وميزان البحْث المنهجي، فيسلك دربَ الأمانة العلميَّة بالإشارةِ إلى أسلافِه ممَّن سبَقوه إلى الـتأليفِ في مِثل هذا الدَّرْب.. وربَّما ظنَّ أنَّ طول العهد بيْنه وبيْن أبي أحمد العسكري قد طَوى الأيام طيًّا وذاكرتها... طول العهد بين الرَّجُلين دفَع الآخر إلى الانقضاضِ على الأوَّل"، رغم أنَّ الإبشيهي هو المسروقُ منه لا السارِق!
8- تؤدِّي إلى عدمِ القُدرة على تحقيقِ نِسبة كتاب آخَر للمؤلِّف، مثال ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ) عندما حاولَ الدكتور أحمد عفيفي تحقيقَ نِسبة كتاب "المنظومة النحويَّة" إليه، قارَن بين "المنظومة" وكتاب "العين" المشكوك في نِسبته إلى الخليل، وكتاب "الجُمل في النَّحو" وهو أيضًا مشكوك في نِسبته إلى الخليل، وله العُذر؛ فإنَّ كثيرًا مِن الكتب منسوبةٌ للخليل ومشكوك في صحَّة نِسبتها إليه، ومنها "فائت العين"، و"الحروف"، و"العوامل"، و"صرف الخليل"، و"الإمامة"، فبماذا يقارن؟
وقال فؤاد عبدالمنعم[16]: "وذهَبَ البعضُ في تحقيق بعضِ مؤلَّفات الماوردي إلى توثيقه بكتاب "نصيحة الملوك" [وهو عندَه غير صحيح النسبة له]، ففي تحقيق كتاب"تسهيل النظر وتعجيل الظفر"إحالاتٌ للتوثيق إلى عِدَّة مواضع مِن كتاب "نصيحة الملوك" على الرغمِ مِن اختلاف الصياغة للشاهِد في الكتابَيْن...".
9- تضيع الحقوق الفِكريَّة والأدبيَّة: حيث تُحمِّل أفكارَ رجُل لرَجل آخر هو منها بَريء، وتَنسب آراء شخصٍ لشخص خطأً، وتَحرِم صاحبَ الرأي من حقِّه في نِسبة آرائه إليه، كما تَنسب أشعارًا لغيرِ صاحبها، وتَحرِم صاحبها منها؛ فمثلاً "معجم العين" ينقُل عنه الأزهري (ت: 370هـ) في "تهذيب اللغة"، وينسُب ما نقَل لليثِ بن المظفَّر، وينقل ابنُ فارسٍ (ت: 395هـ) والقاليُّ (ت: 356هـ) عن الكتابِ نفسِه النصَّ نفسَه وينسبان ما نقلاَ للخليل[17]، فأيهما صاحبُ المجهود الذي يجِب نِسبةُ النصوص له؟ وأيهما صاحبُ هذا العلم المتفرِّد الذي كان سبقًا جبَّارًا في عِلم المعاجم؟
قال فؤاد عبدالمنعم[18]:"يُعدُّ مِن الأخطار العلميَّة نسبةُ الرأي إلى غيرِ قائله، وقدِ اعتُمد على كتابِ "نصيحة الملوك" في استخلاصِ بعض الآراء والأحكام، وأُسنِدت إلى الماوردي حالَ كونها ليستْ له، ففي رسالةِ الفِكر السياسي عندَ الماوردي اعتُمد على كتابِ نصيحة الملوك في أكثرَ مِن عشرين موضعًا...".
وهذا الأمر قد يستمرُّ حتى بعدَ الوصول للمؤلِّف الحقيقي الذي ثَبتتْ نسبةُ الكتاب له بأدلَّة يقينيَّة ليس فيها شك، فقد يُطبَع الكتاب حاملاً النسبةَ الخطأ ويُعالج أمْر هذه النِّسبة وتُصحّح في بحوثٍ مستقلَّة تقبع في بطونِ الدوريات العلميَّة المتخصِّصة التي لا يَطَّلع عليها إلا المتخصِّصون، ويُتداول الكتابُ المطبوع حاملاً النسبةَ الخطأ، ولا يَدري به مُعظم الناس.
مِثال ذلك كتاب "التبيان في شرح الديوان"، حيث يقول محمَّد عبدالله العزام[19]:"ثم أعاد المحقِّقون الثلاثةَ [يعني: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبدالحفيظ شلبي] نشرَ الكتاب بالتصوير سنة 1956، ولم يستدركوا الخللَ الذي وقَع، ولم يُشيروا بكلمة إلى بحثِ الدكتور مصطفى جواد؛ فاستقرَّ في الأذهان أنه للعُكْبَرِي، ولا يزال أكثر الباحثِين ينسُبونه إليه، وزاد البلاءَ تصويرُ الكتاب أو تزويره مِرارًا في لبنان وغيره".
10- تؤدِّي أحيانًا إلى حدوثِ تراشقات بين الباحِثين الذين يهتمُّون بأمْر نِسبة كتابٍ ما، مِثل ما حدَث بين الدكتور البدراوي زهران، والدكتور بهاء الدين عبدالوهاب عبدالرحمن، حولَ نِسبة كتاب "العوامل الجديدة" للبيركوي (ت: 981هـ)، أو للجرجاني (ت: 471هـ)، حيث وصَل الأمرُ للسبِّ بألفاظ لا تليق[20].
11- تؤدِّي إلى العزوفِ عن تحقيقِ الكتاب الذي تَشوبه شائبةُ اختلاف النسبة، كما حدَث مع الدكتور عبدالله عبدالرحيم عسيلان، الذي كان يَنوي تحقيقَ "شرح حماسة أبي تمام" المنسوب لأبي العلاء المعرِّي (ت: 449هـ)، ولكنَّه لما قَطَع شوطًا في نَسخِه، شكَّ أن يكونَ للمعرِّي؛ فترَكه[21]، وقريبٌ مِن هذا أنَّ معظمَ المخطوطاتِ مجهولةِ المؤلِّف لا يَقترب مِن تحقيقها أحدٌ، وكأنها لقيطة مذمَّمة.
12- تُعطِّل استكمالَ مسيرةِ تحقيقِ الترات، حيث إنَّ تحقيقَ كتاب يؤدِّي إلى استكشافِ كتُب أخرى مِنَ التي ينقل عنها، ويؤدِّي إلى استكشافِ مساحاتٍ علميَّة مجهولة، على مستوى المؤلِّف، وعلى مستوى الفنّ.
[1] انظر: بحث "المنظومة النحوية ليستْ للخليل قطعًا"، لحسين بركات، (ص: 119)، مجلة معهد المخطوطات، المجلد 49، ربيع آخر - شوال، 1426هـ/ مايو - نوفمبر، 2005م.
[2] كلاهما بعنوان "كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج، تحقيق نِسبته واسمه" أحمد راتب النفاخ، مجلَّة مجمع اللغة العربية بدمشق، الأوَّل في مجلد 48، (4/ 840 - 863)، عام 1973م، والثاني في مجلد 49، (1/93 - 112)، عام 1974م.
[3] بحث "كتاب إعراب القرآن المنسوب للزجَّاج هو الجواهر لجامعِ العلوم الأصبهاني"، محمد الدالي، (ص: 78)، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ج1، المجلد 66، جمادى الآخرة 1411هـ/ يناير 1991م. وبحث "صِلة الكلام في كتاب الجواهر لجامع العلوم الباقولي وتحقيق اسمه"، للدالي، (ص: 179)، مجلة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، المجلد 43، ج2، رجب، 1420هـ/ نوفمبر، 1999م.
[4] انظر بحث "المنظومة النحويَّة ليست للخليل قطعًا"، (ص:90 - 92).
[5] انظر: "ابن درستويه عبدالله بن جعفر بن المرزبان الفارسي" (ت: 347هـ)، لعبدالله الجبوري، (ص: 170 - 173)، مطبعة العاني، بغداد، ط1، 1973م/ 1974م، و"أبو هلال العسكري وآثاره في اللغة"، علي كاظم المشري، (ص: 72)، دار كيوان للطباعة والنشر، ط1، 2010م. ومقدمة تحقيق "شرح الفصيح للزمخشري"، تحقيق إبراهيم الغامدي، (ص: 30)، المملكة العربية السعودية، وزارة التعليم العالي، جامعة أم القرى، معهد البحوث العلميَّة وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، 1417هـ. وبحث "شرح الفصيح [المنسوب] للزمخشريِّ تحقيق نسبته ونظرات فيه"، للدالي، مجلَّة عالم الكتب، مج20/ ع1، (ص: 31)، رجب - شعبان، 1419هـ/ نوفمبر - ديسمبر، 1998م. و"شرح الفصيح [المنسوب] للزمخشري ليس له ألبتةَ"، للدالي، مجلة عالم الكتب، (ص: 199)، مج21/ ع2-3 (رمضان - شوال - ذو القعدة - ذو الحجة) 1420هـ/ (يناير - فبراير- مارس - أبريل) 2000م،وبحث "الدليل الشافي على تأمُّلات ونظرات الدالي في شرْح الفصيح للزمخشري"، لإبراهيم الغامدي، عالم الكتب، مج 20/ ع4، المحرم - صفر، 1420هـ/ مايو - يونيو، 1999م، وبحث "الرد الصحيح لمن حاول دفْع نِسبة شرح الفصيح"، لإبراهيم الغامدي، مجلة عالم الكتب، مج24، ع2، (ص: 99)، (رمضان - شوال، 1419هـ/ يناير - فبراير، 1999م)،وبحث "شرح الفصيح ليس للزمخشري بل للإستراباذي"، لمحمَّد عبدالله العزام، مجلة عالم الكتب، مج21،ع2-3، (ص: 250)، (رمضان - شوال - ذو القعدة - ذو الحجة)، 1420هـ/ (يناير - فبراير- مارس - أبريل)، 2000م.
[6] مقدِّمة تحقيق المذاكرة في ألْقاب الشعراء، (ص: 11)، طبع دار الشؤون الثقافية العامَّة "آفاق عربية"، العراق، ط1، 1988هـ.
[7] السابق، (ص: 10).
[8] بحث "المنظومة النحويَّة ليست للخليل قطعًا"، (ص: 124).
[9] السابق، الصفحة نفسها.
[10] مقدِّمة تحقيق الجُمل المنسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي، فخْر الدين قباوة، (ص: 5)، مكتبة المعارف، بيروت، 1414هـ/ 1994م.
[11] مقدمة تحقيقِ المنظومة النحويَّة، للخليل بن أحمد، ، (ص: 27)، تحقيق أحمد عفيفي، دار الكتب المصريَّة بالقاهرة، ط1، 1416هـ/1995م.
[12] انظر: بحث "كتاب معاني الحروف المنسوب إلى الرُّمَّاني، تحقيق اسمه ونِسبته إلى ابن فضال المجاشعي"، سيف بن عبدالرحمن العريفي، مجلَّة عالم الكتب، (ص: 509)، مج23، ع5-6، (الربيعان - الجماديان 1423هـ)، (مايو - يوليو - أغسطس2002م).
[13] انظر: مقدمة تحقيق المنظومة النحوية، (ص: 92، 99، 111)، وبحث "المنظومة النحوية ليست للخليل قطعًا"، (ص: 104)، وانظر (ص: 54).
[14] مقدمة تحقيق التاج، أحمد زكي باشا، (ص: 41)، دار الآفاق العربية، ط1، 2006م.
[15] الحكم والأمثال، تحقيق: محمد دبوس وآخرين، ص8، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006م.
[16] انظر مقدمة تحقيق نصيحة الملوك المنسوب للماوردي، تحقيق فؤاد عبدالمنعم أحمد، ص5، 6، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، 1406هـ/ 1986م.
[17] انظر: مقدمة تحقيق العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، (ص: 23)، دار ومكتبة الهلال، د ت. وهناك أمثلة أخرى.
[18] انظر: مقدِّمة تحقيق نَصيحة الملوك المنسوبِ للماوردي، تحقيق فؤاد عبدالمنعم أحمد، (ص: 5، 6).
[19] بحث: "ليس للمعرِّي أدلَّة إضافية على تزوير الكتاب المنشور باسم معجز أحمد"، مجلة عالم الكتب،ع3، مج14، (ص: 242)، (ذو القعدة - ذو الحجَّة، 1413هـ/ مايو - يونيو، 1993م".
[20] انظر: بحث "هذه هي الأدلَّة الماديَّة والمعنويَّة على أنَّ (العوامل الجديدة) للبيركوي، وليس للجرجاني"، بهاء الدين عبدالوَهاب عبدالرحمن، مجلة عالم الكتب، مج8، ع3، (ص: 461)، محرم، 1408هـ.
[21] انظر تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل، لعبدالله عبدالرحيم عسيلان، (ص: 238)، الرياض، 1415هـ/ 1994م.