تأملات فى سورة العلق : العلم سلاح ذو حدين
إيمان الخولي
سورة من أول ما نُزل على النبى فالسورة تدعو المسلم إلى التعلم الذى يزيده تعلقاً بربه وقربة إليه وكلما عرف ربه سجد له سجود العرفان بنعمه وعبده كما يحب ويرضى لأنه أدرك ضعفه فكيف يطغى ويتكبر ؟ !
بينت الآيات أهمية العلم النافع الذى يرتقى بالإنسان ويجعله يأمن مكر عدوه ويستغنى عنه وليس العلم للخراب والدمار فإنك تجد أناساً كان العلم نقمة عليهم ذهب بهم المذاهب فأنكروا الحجاب والزكاة والمواريث التى هى معلومة من الدين بالضرورة
فنرى فى قوله {"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)"} دليل على ربط العلم بالإيمان حتى لا يضل الإنسان فى تفريعات فلسفية أو وجودية لا أساس لها من الصحة إلا فى عقول أصحابها ولا دليل عليها ثم يربطهم بالخالق فلم يقل إقرأ باسم ربك الذى لا شريك له ولا ولد فقد خاطبهم بلغتهم وبما يفهمونه أن يا قوم تأملوا فى الخلق خلقكم من علقة وهى المرحلة الثانية من تكوين الجنين داخل الرحم تلك القطعة الدموية العالقة فى الرحم والتى سميت السورة باسمها ليبين مدى ضعف الإنسان فالشئ العالق غالبا يكون معرضاً للسقوط فى أى لحظة وعدم اكتمال النمو فهو لا يعرف مصيره فكيف يطغى ويتكبر ؟!
وفى قوله : {"الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) "} ذكر القلم يعلمنا دائما توثيق كل شئ لعله يكون أثراً نافعاً لك بعد موتك وعلمه ما لم يعلم دليل على جهل الانسان وأنه لولا أن تكرم الله عليه وتفضل وهداه إلى الأشياء لما عرف شيئاً فهو الأكرم حقا كرمه يزيد على كل كرم كرمه بالعقل وإعطاه الحكمة التى هى خير من الدنيا وما فيها ليعرف بها ربه وليس ليتكبر عليه
وفى قوله : {"كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)"} كل ذلك والإنسان لم يذكر شئ من فضل الله بل طغى وعادى أولياءه إذ رأى أنه بماله وعلمه استغنى وسخر العلم والمال للإفساد لذلك نجد السورة تختم باسجد واقترب حتى لا تتمكن المادية منك وتسمو بروحك ويستنير قلبك بالإيمان والتقوى ويزداد تعلقك بربك
يقول الإمام الرازي حول ذلك الاستغناء " أن سين { استغنى } سين الطالب والمعنى أن الإنسان رأى أن نفسه إنما نالت الغنى لأنها طلبته وبذلت الجهد في الطلب فنالت الثروة والغنى بسبب ذلك الجهد ، لا أنه نالها بعطاء الله وتوفيقه ، وهذا جهل وحمق فكم من باذل وسعه في الحرص والطلب وهو يموت جوعاً ، ثم ترى أكثر الأغنياء في الآخرة يصيرون مدبرين خائفين ، يريهم الله أن ذلك الغنى ما كان بفعلهم وقوتهم "
وفى قوله :" { إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} " من أبصرها بقلبه عمل لذلك اليوم فالمؤمن كلما ازداد علما يعلم حقيقة أن الله من وراء كل شئ وكل شئ إلى فناء وأنه هناك يوم يرجع فيه للحساب
وفى قوله {" أرأيت الذى ينهى عبد إذا صلى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)"}
إنه نوع آخر من الطغيان حرمان المسلم من أبسط حقوقه وهى عبادة ربه والتقرب اليه فالصلاة هى الركن الفيصل بين الكفر والإيمان فمن أظلم ممن حال بين العبد واتصاله بربه وماالبديل إذن ؟! زيادة الفساد فى الأرض والتباس الحق والباطل على الناس ماذا عليهم لو خلوا بين الناس ومعرفة ربهم بدلا من ان تتعلق قلوبهم بحب الشهوات والماديات ويبيعوا دينهم وأنفسهم من أجل المال والبقاء على الحياة ولم يعوا قول الله تعالى وما عند الله خير وأبقى كم ستعيش فى الدنيا أمام الخلود فى الآخرة إما لجنة وإما لنار
كما أنه من أبصر بقوله "ألم يعلم بأن الله يرى "عاش بها وأدرك الغاية من الخلق أنك لم تخلق عبثاً بل خلقت لرسالة وأمانة فهل أديت الأمانة ؟!
وفى قوله تعالى : {" كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)} {} "
ثم تأتى العقوبة المنتظرة لهؤلاء المحاربين لأهل الحق إن استمروا على كذبهم وعنادهم تكسر فيهم استكبارهم عن قبول الحق يُسحبون من نواصيهم إلى النار تلك الناصية التى هى أشرف جزء فى الإنسان موضع العزة والكرامة وموضع اتخاذ القرارات فكيف بهم وقد كرمهم بالعقل والتفكر فهداهم فكرهم إلى الإفساد فى الأرض بدلا من الإصلاح وكيف لهذه الناصية أن تتخذ القرار الخطأ ثم يطلب منهم يوم القيامة دعوة كل من شاركوهم وناصروهم فى طغيانهم يطلبون منهم الشفاعة حيث لا ينفع العمل إنما يأمر الله زبانية جهنم لأخذهم إلى الجحيم .
ثم تختم السورة بقوله :{ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }
إنه أمر الله للنبى والأمثل فالأمثل بأن لا يستجيبوا لهؤلاء المفسدين المكذبين ولا يتركوا أنفسهم فريسة للوقوع فى الفتن ويستمروا فى اللجوء إلى الله وكثرة السجود بين يديه ليعطيه الطاقة ليرتفع بروحه فوق الماديات والإنجذاب لمادة الطين التى خلق منها فتجد الآيات فى النهاية تعرف الناس بربهم ليس ليعادوه ولكن ليكون الله سبحانه هو الأقرب لهم من أهليهم وانفسهم ودلهم على الطريق الموصل لذلك بكثرة السجود بين سجود طاعة وعبادة وسجود شكر لله الخالق.