النية وأثرها في الأعمال
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
1 - عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». متفق عليه[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: النية عليها مدار جميع الأعمال، فتصرفات المكلف تابعة لنيته؛ فتكون صحيحة إذا كان القصد صحيحًا، وتكون فاسدة إذا كان القصد فاسدًا، فمن كان قصده بالعمل وجه الله تعالى فعمله مقبول إن شاء الله، ومن كان قصده غير الله تعالى فعمله رياء مردود، ومثال ذلك: من حسن صلاته اتباعًا للسنة، وطلبًا لمرضاة الله تعالى فهو مخلص مثاب إن شاء الله، ومن حسنها ليراه الناس فهو مراء آثم، ومن دفع صدقة لفقير طلبًا لمرضاة الله تعالى فهو مخلص مثاب إن شاء الله، ومن دفعها ليُثني عليه الناس فهو مُراء آثم، فيجب على المسلم الحرص على تصحيح نيته، وتنقيتها مما قد يشوبها من الرياء؛ ليكون عمله خالصًا لله تعالى، مع متابعته لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يعمله؛ ليكون مقبولًا عند الله تعالى.
الفائدة الثانية: تحصيل الثواب موقوفٌ على النية، ومن القواعد الفقهية التي استنبطها الفقهاء رحمهم الله تعالى من هذا الحديث قاعدة: «لا ثواب إلا بنية»[2]، فكل عمل عارٍ عن النية فلا ثواب فيه، فالمُكث في المسجد بنية الاعتكاف أو انتظار الصلاة المفروضة يُثابُ عليه، ومجرد الجلوس في المسجد بغير نية لا ثواب فيه، والاغتسال للطهارة المشروعة يُثاب عليه، والاغتسال لمجرد اللهو أو التبرد لا ثواب فيه.
الفائدة الثالثة: بالنية الصالحة تتحول العادات إلى عبادات، وذلك بأن يعمل المسلم شيئًا من المباحات، وينوي به أن يكون وسيلة لما أمر به شرعًا، أو ينوي به خيرًا، فإنه يؤجر عليه، ومثال ذلك: الأكل والشرب، إذا نوى التقوِّي بهما على طاعة الله تعالى أثيب على ذلك، ومثل: النوم، إذا نوى به التقوِّي على طاعة الله تعالى من قيام الليل وصلاة الفجر وقراءة القرآن وغير ذلك أثيب عليه، ولما سأل أبو موسى الأشعري معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن كيفية قراءته للقرآن. قال معاذ: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. رواه البخاري[3]، وفي رواية لابن أبي شيبة وغيره: أنام أول الليل وأتقوى به على آخره، وإني لأرجو الأجر في رقدتي كما أرجوه في يقظتي[4]. وقال التابعي الجليل زيد بن الحارث اليامي رحمه الله: يسرُّني أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في الأكل والنوم[5].
[1] رواه البخاري في كتاب الحيل، باب في ترك الحيل وأن لكل امرئ ما نوى في الإيمان وغيرها 6/ 2551 (6553)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية»، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال 3/ 1515 (1907)، واللفظ له.
[2] ينظر: الوجيز في القواعد الفقهية، للدكتور محمد صدقي البونو ص63، والأشباه والنظائر، لابن نجيم الحنفي ص19.
[3] رواه البخاري في كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع 4/ 1578 (4086).
[4] رواه ابن أبي شيبة 2/ 73(6616)، وأبو عوانة في مسنده 5/ 101 (7951)، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 402 (2200).
[5] شعب الإيمان 5/ 350، صفة الصفوة 3/ 99.