بينما كانَ الصديقُ مُرتهزًا مُنتهزاً الإجازة، لقضاء موسم الصيف في مدينة ساحلية شرقية ساحرة ،فكانت هواجسه بالخيال سَاهرة ،وبالتنزه أحلامُه طائرة،آن ذاكَ الأوانُ الذي كان يراهُ طويلُ الأمدِ،فشرعَ الهُوينا يتيمنُ أغراضَه ،ويتفقدُ أوراقهُ،فرحاً مُلحًا كأنَّ شيء إلى ذلك يدفعُ نفسه دفعاً،كماءِ السَّيل يركُم بعضه بعضًا ،إبتاع تذكرته مُسبقا بيومين حرصًا منه عَلى ضمان المقعد،....
فاتتِ ومَاتت اليومانِ عليه ببطءٍ ،وهو يتخيلُ منظر تلكَ الطبيعة الخلابة التي لم يرها من قبلُ وإنَّما سَمعت عنها أذناهُ فقط،جَاءت لحظة الذَّهاب فاستأجر سِيارة كي توصله إلى المَحطة ،فانطلقَ وكُله رغبةٌ وعزم وشوقٌ وهو يطلبُ من السائق كي يسرع أكثر فأكثر ،فما كانَ من السائقِ سوى تلبية رغبتهُ،وحينَ فجـأةٍ سمعا صوتاً من خلف السيارة ،فنزلا فإذا بها العجلة قد أصيبت بعطبٍ ،فبدأ يصرخ ُبغضبٍ أيها السائق أحضر العجلة الإحتياطية أسرع هيا هيا لم يبقى على انطلاق الحافلة سوى نصف ساعة ،تشتت أفكاره ،وتخبلت يداه ،غضبَ حنقَ حينا وحينا كلام سيء ،وهو يُردد لما يحدث لي هذا ،يا إللهي......
العرقُ يسيل والجُهد مَبدول والزفير والنفير والوسخ ،كلهم لأجل الوصول في الوقت المناسب ،
وأخيرا قد تم تغيير العجلة بنجاح ،ركبا وانطلاقا لكن لم يبق على انطلاق الحافلة سوى 10 دقائق ،أسرع أسرع لكن للأسف لازال الطريق طويل 50كلم ،وأخيراً وصلا إلى محطة المسافرين بعد جهد وتعب ورهق وسرعة وعجلة ،ها قد دخلا إلى المحطة ،وهو يصرخ اين قابض المحطة أين قابض المحطة ،أنت أعطيني تذكرتك ،آآآ للأسف لقد انطلقت الحافلة منذ نصف ساعة ،فانهمر وابل الخيبة على قلبه،وخارت قواه واصفر وجهه كوجه الشمس في الخريف،ما العمل ،يا ربي لما يحدث لي كل هذا ما حل بي ،ما ذا سأفعل ،هل سأنتظر حتى الغد ،فغضب شديدا وحنق كثيرا معترضا على قدره المشؤوم في نظره،فأشعل سيجارته التي كان يظن أنها تطفئ غضبه وهمه،فقال وهو ينفث دخانه يمينا وشمالا يا رب لما يحدث لي هذا من دون الناس (هل حرقت المساجد؟؟؟)ثم تنهد ببركان من الحسرة وهو راجع إلى بيته يجر أذيال الحسرة ويُلحي سوء حظه ،وفي صباح اليوم الموالي أعاد الكرة باكرا عساه أن يدرك مبتغاه ،وفي طريقه المحفوف بشؤم التأخر ،وبيمنا عيناه تتفحص صفحات جريدة الخبر فإذا بها تقع على عنوان باللون الأحمر العريض "وقوع حادث مأساوي لحافلة كذا أودى بوفاة نصف الركاب وبعضهم في حالة حرجة "كادت نفسه تنفجر بالبكاء فرحا من النجاة الغير محتسب ،كأنه قد أصبح يعيش في الوقت بدل الضائع ،فرح شديدا لأنه تأخر بالأمس ،وهو لا يكاد يصدق بأنه لازال حي،واصل سيره ونفسه مما يحث في عجب،وهو يعش في عجبه ،وقد نسي أن يحمد ربه،لأنه قدر من ربه ،واصل مسيره ،حتى دخل المحطة أخير فرأى الحافة لم تنطلق بعد عادت إليه أحلامه وأمانيه ،التي كادت أن تدفن في غير مكانها ،أخرج تذكرته وركب الحافلة ،وأخيرا ها قد تنفس صدره الصعداء،وصل إلى تلك المدينة الساحرة الفاتنة ،وهو يتجول بين خضرتها و بحرها وعمرانها ،وفي حين برهة وجد أصدقاء له منذ زمن بعيد ،ذهبوا إلى الشاطئ ليقضوا يوما جميلا محملاً بذكريات الماضي خلال أيام الجامعة هناك ،لكن شاء القدر أن تخرج نفسه بين أمواج البحر وعبابه ،فيلفظ أنفاسه ويترك أصحابه في حيرة ،وعاد إلى مدينتة فوق الأكتاف