هكذا عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم
عادل عبدالله هندي
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فلقد منّ الله علينا وأكرمنا بالإسلام وشرَّفَنا بالانتساب إليه، كما منّ علينا وأكرمنا بخير رسول أُرْسل؛ حيث يقول عزّ وجلّ: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
ومن عظيم مِنَن الله ونِعَمِهِ علينا أن جعل الإسلام منهجًا للمسلمين في كل جانب من جوانب حياتهم؛ فهو دين عقيدة وشريعة وأخلاق، فليس الإسلام عقيدة تحفظ من بطون الكتب، ولا عبادة ظاهرة تُفْعل أمام أعين الناس فحسْب، بل هو كذلك سلوك وخلُق، حتى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قد اختصر رسالته ودعوته في كلمة جامعة مانعة بقوله: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلاَقِ» كما روى الإمام مالك في الموطأ، و«صالح الأخلاق» كما عند أحمد في مسنده، والحديث صحيح.
هكذا اختصَر الرسول الحبيب الدعوة والإسلام؛ ليردّ على كلّ من نسب إلى الإسلام زورًا عملاً خبيثًا أو هوىً زائفًا، وقد جعل الله الرسول قدوة وأسوة لعباده في كل جانب من جوانب الحياة، فإن ولجت باب العقيدة وجدته أكثر الناس يقينا في ربه، ومراقبة له، وإن دخلت من باب التعبّد لاحظته بعينيك وهو صاف قدميه بين يدي ربه يلجأ إليه في جوف الليل والناس من حوله نائمون، وإن ولجت من باب التطبيق العملي للإسلامِ (الأخلاق والمعاملات) وجدته أشرف الناس وسيدهم في الأخلاق، حتى إنّ الأخلاق لتقاس عليه -عليه الصلاة والسلام-،. وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
ومن هنا يأتي أهمية لقاء اليوم من «لقاء الجمعة»؛ حيث يكون حديثنا عن «الرسول القدوة»، وما أجمل الحديث عن أشرف خلْق الله تعالى سمتًا وسلوكًا!! نقف مع هذه الخطبة تحت عنوان: هكذا عاش رسول الله!!
نداء إلى كل أب وأم!! إلى كل زوج وزوجة!! إلى كل ابن وبنت!! إلى كل قائد وجندي!! إلى كل حاكم ومحكوم!! إلى كل سياسيّ وعالمٍ!! إلى كل الناس في كل الدنيا.... هيا لنستمتع بجلسة مع رسول الله، نتعلم ما يصلح الله به حال دنيانا وأخرانا..
سيدي يا رسول الله:
والله ما طلعت شمس ولا غربت ** إلا وحبّك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ** إلا وأنت حديثي بين جلاسي
عناصر الخطبة:
أولا: صلة العقيدة والعبادة بالأخلاق في الإسلام.
ثانيًا: الرسول هو أكمل بني الإنسان.
ثالثًا: هكذا عاش رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
أولا: صلة العقيدة والعبادة بالأخلاق في الإسلام:
وقفة مع فهم الإسلام:
إنّ من المؤسِف أن ترى تطبيقات بعض المسلمين مخالفة لنصوص الدين وتعاليمه، وكأنّ الإسلام عبارة عن طقوس أو ترانيم تتردد على الألسن، ثم لا تجد لها أثرًا واقعيًّا في حياة المسلمين، وهذا مما أثار الغلط حول الإسلام وحقائقه.
ومن المحزن أيضًا أن ترى بعض المنتسبين إلى الإسلام يظنون أنّ الدين عبارة عن حفظ كتاب في العقيدة فقط، أو قدرة على تخريج حديث وبيان صحته فحسب، أو إقامة للعبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج والحرص عليها فقط، ثم تجد كل هذا لا أثر له في حياة متعلّم العقيدة أو حافظها، ولا أثر له في حياة المتخصص العالِم، ولا أثر له في حياة من تعبّد ظاهريّا أمام الناس أو في خاصّة نفسه، وظنّ أن الدين عبارة عن ركعات تؤدّى أو بعض الأوراد والأذكار... لا... إنما ينبغي أن نفهم أن الإسلام أعظم وأجلّ من كل هذه التصورات؛ فديننا يدخل في جوانب حياتنا كلها، ويربط بين عقيدة المسلم وسلوكه، وبين عبادته وتصرفاته، وبين التشريعات والأخلاق.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. فالصلاة والنُّسُك والحياة وحتى الموت يجب أن تكون جميعها لله تعالى، وذلك هو مفهوم الإسلام الصحيح، أن تعيش بالإسلام في كل لحظة من لحظات حياتك، وأن تعيش للإسلام ناصِرًا له، ومدافِعًا عنه ضد من انتهك عِرْضه وتعدّى حدوده وتشريعاته، وضيّع مقاصدَه.
العقيدة والعبادة لهما صلة وثيقة بالأخلاق:
أولا: إننا بحاجة أن نعلم أن العقيدة الصحيحة هي التي تربط المسلم بسلوك حسن مع الله ومع نفسه ومع الناس، ففي الحديث مثلا: كما عند ابن ماجه في سننه والحديث حسن، من حديث أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ». وفي رواية البخاري الصحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»... إنها منظومة الأخلاق المترتبة على العقيدة السليمة لمن أراد أن يتعلم عقيدة صحيحة!!
وتلاحظ هنا أخي المسلم.. أختي المسلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد ربط بين العقيدة وبين الإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، والنطق بالحق بدلا من الباطل، أو الصمت على الأقل عن الباطل والشرّ. هذه هي العقيدة الصحيحة، وليست عبارة عن حفظ متون العقيدة وكتبها المدوّنة.
ثانيًا: علاقة العبادة بالأخلاق: لا يخفى عليكم أيها المستمعون الأكارم، أنه ما مِن عبادة في الدين -في القرآن- إلا ووجدناها صاحبة علاقة وثيقة بخلق مّا، وللدليل على ذلك إليك الآتي:
1-الصلاة، يقول تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
2- الصوم، يقو سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
3- الزكاة، يقول عزّ وجلّ: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103].
4- الحج، يقول المولى الكريم: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
وهكذا كل العبادات، التي نتعبّد بها لها أثر أخلاقيّ في حياة المسلمين، ومن لم يجد هذا الأثر يجب أن يراجع عبادته مع الله تعالى، ونيّته وانتسابه إلى الدين.
وتعالَوْا بنا لأقص عليكم قصة امرأتين، إحداهن: ما كان يسبقها أحد في صلاة وصيام وقيام، غير أنها دخلت النار في النهاية، ما السبب؟ وامرأة أخرى كانت قليلة الصلاة والصيام والصدقة، غير أنها دخلت الجنّة، ما السبب؟
لنذهب إلى رسول الله، فنسأله يا رسول الله: لماذا دخلت هذه المرأة النار؟ ولماذا دخلت الأخرى الجنّة؟.. فيجيب النبي كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده -(15/ 421، 422)- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي الْجَنَّةِ". فلم ينفع صاحبة الخلق السيئ صومها وقيامها، وأكمل الخلق الحسن عمل المرأة قليلة الصلاة والصيام.
هكذا أيها الأحبّة: أين أثر العبادة على الأخلاق؟ أين واقع العقيدة والتعبّد على سلوك الإنسان؟
ثانيًا: الرسول هو أكمل بني الإنسان:
وإذا تحدّثنا عن البشر وجدنا رمز البشريّة والإنسانية الأول هو محمّد بن عبدالله صلى الله عليه وسلّم.
وإذا تحدثنا عن رمز النبوّة والرسالة، وجدنا الأشرف والأرقى هو محمد بن عبدالله النبي الكريم المصطفى.
وإذا تحدثنا عن المشاعر والأحاسيس والحكمة والرحمة واللين واللطف والكرم والتواضع والأدب والقوّة، وجدنا أكرم من عاش بها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم.
وحتى لا يصل النبيّ صلى الله عليه وسلّم، ولا يتم إيصاله إلى درجة الملائكية أو الألوهية، وجدنا القرآن يؤكّد على حقيقة البشرية في شأن الرسول بقوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. وها هم الكفار يتعجبون من بشريته، فينقل القرآن على لسانهم القول: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾[ [الفرقان: 7]. وما كان ذلك إلا للتأكيد على أن محمدًا النبيّ صلى الله عليه وسلّم بشر، لكنّه أكمل البشر، وأنّه إنسان لكنه أرقى إنسان!!
لقد اكتملت في رسول الله أرقى معاني الإنسانية من الإحساس بهموم الآخرين، وقضاء حوائجهم، والمشي في حاجتهم، والعمل على ردّ الحقوق إلى أصحابها، والوقوف بجوار المظلومين وقد عُرِض عليه أن يكون مع الظالمين لكنه أبى؛ لنصرة الحق وأهله، وها هو صلى الله عليه وسلّم؛ -لأنّه إنسان- يحمل للخادِمة حاجتها، ويمسح على رأس اليتيم، وينصح قاسي القلب باللين والرحمة، ويتحمل من أصحابه أخطاءهم ويرشدهم للأصْوب بحكمة ورحمة،...... الخ..
إنّه صورة الإنسان الكامل لمن أراد أن يتخلّق وأن يحيا حياته وسيرته... والآنَ موعدُنا مع بعض صور المعاملات والأخلاقيات والسلوكيات في حياة سيد البريّات صلى الله عليه وسلّم.
ثانيًا: هكذا عاش رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
لقد عاش رسول الله بالإسلام في كل حال من أحوال حياته..
عاش بالإسلام في سمته وسلوكه.. في نطقه وسكوته... في بسمته وحركته وسكناته...
كانت حركاته تشريعًا وبياناً...
وكانت سكتاته حُكمًا وحِكمًا...
وكانت أقواله موافقة لأفعاله تطبيقًا وتنفيذًا...
هكذا عاش رسول الله..
لن نتحدث عن رسول الله صاحب العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة، وإنما نتحدث عن صاحب الخلق العظيم.
لقد كان صلى الله عليه وسلّم يطبق ما ينطق به اللسان، وينفذ ما جاء من عند خالقه وخالق بني الإنسان؛ فدينه سلوكه ومعاملاته...
يقول الناس: (الدين المعاملة) وللتوضيح: هذا القول ليس بحديث ولا أثر ولا أي شيء؛ هو اجتهاد الناس، والأصوب أن نقول: (الدين حسن المعاملة)، أو (من الدين حسن المعاملة).
فلقد كان حبيبنا المصطفى يحيا بالإسلام في كل لحظة، فما كان في حياته (ساعة لربك وساعة لقلبك)، ولا (ساعة وساعة -بمفهوم الجهال-)، ولا (هذه نقرة، وتلك ونقرة)... كانت حياته كلها تعبد وتخلق بأخلاق الإسلام.. ويظلل سيرته قول أمّ المؤمنين عائشة عنه، لما سئِلت عن خلق الرسول كما عند مسلم في الصحيح، فقَالَتْ للسائل: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ»، نعم كان قرآنا يمشي بين الناس، ويتعامل مع الناس، ويا ليتنا جميعًا نعيش بهذا السمت (حكاما ومحكومين، أبناء وبنات، مدرسين وموظفين......الخ).
ولا يمكن أن ننسى ما شهدت به أمّ المؤمنين خديجة لرسول الله في بداية الدعوة، حين قالت له: «وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ»...
ومن بين ما عاش به رسول الله ما يأتي:
أولا: رسول الله زوجًا وحبيبًا:
من أخلاق نبي الإسلام: أنه كان زوجًا حنونًا طيب القلب، رقيق الفؤاد، يتحمّل من زوجته أخطاءها ونفسيتها الغضوبة أو الغيورة أحيانًا، ويدللها، ويعطف عليها، ويساعدها في البيت.
رسول الله في مهنة أهله:
فيا من تدّعي حبّ النبيّ وعشقّ الرسول: متى كانت آخر مرّة وقفت مع زوجتك في المطبخ تساعدها في الطهي أو الغسيل أو كنيس البيت؟
نعم: كان سيدي وسيدك رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصنع هذا، تجيب أم المؤمنين عائشة لما سئلت: «مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» والحديث رواه البخاري في صحيحه.
رسول الله يدلل زوجته ويناديها باسم جميل:
وكان يدلل زوجته ويناديها باسم جميل فمرة يقول لأم المؤمنين عائشة (يا عائش) وتارة (يا عويش). قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
رسول الله يصرّح بحبّ زوجته ولا يستحيي من ذلك:
وكان لا يستحيي أن يصرّح بحبّه لها أمام الرّجال؛ لأنه كان مشرعًا ومعلّمًا، فعند الترمذي في سننه عن أَنَسٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ: «أَبُوهَا»، وهو «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ». نعم هذا رسول الله!!
رسول الله ينصت إلى زوجته ويستمع إليها وهي تحكي وتفضفض:
رسول الله يستمع إلى زوجته طوال الليل ولا يتأفف رغم أعبائه ومشاغله وسعيه في الحياة، ولم يتحجج -حاشا وكلا- بكثرة أعبائه وأعباء الحياة كما نحن اليوم، وراجع حديث أم زرع وما كان من أمره. كما عند البخاري في صحيحه، وأول الحديث: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى:......». هكذا عاش رسول الله في حياته الزوجية، عطوفا، حبيبا، رقيقا، ليس بغاضب ولا متهوّر ولا مندفع في الأمور.... فتخلقوا!!..
ثانيًا: رسول الله حاكمًا وقائدًا:
إنّ المتأمّل في سيرة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم لَيَرَى أنه -رغم قيادته وزعامته للأمّة وللصحب الكرام- كان أقرب الناس إلى أصحابه، وكانوا يأنسُون بلقائه، ويعشقُون مجالستَه، -بعكس حكّام الزمان-.
كان عليه الصلاة والسلام يحترم كلّ جندي عنده من الصحابة صغيرا أو كبيرا، غنيا أو فقيرًا، يقبل مشورتهم ويأخذ بها، يغيّر خطّةً عسكريةً بسببِ رأيٍ لجنديّ في المعركة، ويحنو على أتباعه وأفراد شعبه، فما كان له ليقسو عليهم أو يثقل عليهم الأمور، أو يصعِّب عليهم الحياة والمعيشة، بل إنه حذّر أشدّ التحذير من ذلك بقوله: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» [أخرجه مسلم في صحيحه].
فكان خير نموذج للحكام والقادة، في الرّفق والحنان، والتواضع والأمان، واللين والرفق، وقد وصفه ربه -بحكم أنه قائد وزعيم- بقوله في سورة آل عمران: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].
ومن تأمّل كل مواطن السيرة لا سيما ما كان منها من مشاهد الحكم والسّلْطة، استنتج أنّ حكّام الزمان لا يسيرون أبدًا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم والإدارة.
فأين مثلا: الشورى التي كان يصنعها رسول الله مع أصحابه؟
وأين قبول آراء الجند الصغار في المعارك؟
وأين توزيع الأدوار وتوظيف الطاقات والتكليف بالمهام للمتخصصين ولو كانوا صغارًا؟
وأين العفو عن المخطئ من الصحابة؛ لأنه قدّم للإسلام، فيُعْذر في مرة أخطأ فيها، كما حدث مع حاطب بن بلتعة يوم فتح مكة، وكما حدث مع كعب بن مالك يوم تبوك وجيش العسْرَة؟.
هلا تعلّم قادة الأُمّة من رسول الله؛ إذا كانوا صادقين في انتسابهم إليه وإلى دينه ورسالته!!
ثالثًا: رسول الله داعية ومرشدًا
لقد كان وسيظل رسول الله هو الدَّاعية الأعْلى والأرْقى مقامًا وقيمة، في دعوته وشئونها، في أسلوبه ووسائله الدعوية، لا سيما عند الانتقاد والنصح والإرشاد، وتصويب الأخطاء.
فهلا ذكَرنا طريقته عندَ انتقادِ من أخطأ، وهو يقول: «ما بال أقوام».
رابعًا: رسول الله مع الأطفال والصغار:
أما رأيتم حبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلّم، وهو يمسح على رأس الأيتام؟!
أما شاهدتموه وهو يلاعب عمير الصغير لأن طائره قد مات؟!
أما رأيتموه وهو يقبل ابنته الزهراء بين عينيها إعلانا للمحبة والرأفة بها؟!!
أو ما شاهدتم مشهده وهو يطأطئ ظهره لحفيديه ليصعدا عليه لعبًا ومرحًا؟!!
أما رأيتموه وهو يقبل الصبيان ويلعب معهم في المدينة؟!!
إننا وبحق مقصرون في حقوق أبنائنا وبناتنا، ليس حقوقهم المادية -أقصد- فكم اشتكت أسرة من التدليل الزائد والإنفاق الرهيب على الأبناء والبنات، وكأن التربية تسمين بدني أو جسدي للأبناء!!
إنما أقصد حقوقهم المعنوية من مكافأة بلقب وتشجيع وتحفيز..
من كلمة طيبة مشجعة لهمم الأبناء والبنات..
من احترام لإبداعهم والقيام برعايتهم...
ولا تقتلوا أولادكم أيها المسلمون، لا تقتلوهم بالإهمال، لا تقتلوهم بقتل إبداعهم، لا تقتلوهم بالتهميش!!
خامسًا: رسول الله مع أعدائه:
حتى أعداء الرسول لاحظوا أخلاقه وسماته وسلوكياته الحسنة، التي أجبرتهم على احترامه وتقديره والشهادة له بأطيب الأخلاق وأحسنها، ولك أن تذكر.
وهو في مكة يناديه الناس بالصّادق الأَمين،..
ويوم أن شهد له عتبة بن ربيعة وللقرآن الذي سمعه منه،...
ويوم أن اعترف أبو سفيان -وقت كفره وعدائه له- بصدقه وأمانته أمام هرقل،..
لكم أن تنظروا في يوم أنْ أسَر عددًا من المشركين يوم بدر، وماذا صنع معهم، من إكرام وفادة، وتحرير رقبة بتعليمهم المسلمين القراءة والكتابة.
لكم أن تشاهدوا منظر المشركين يوم فتح مكة، وهم يثنون عليه بأدبه وأخلاقه وقد وقعوا في الأسْر، وكان يمكنه كعادة الفاتحين أن ينتقموا وأن يتشفّوا من أعدائهم؛ لا سيما وقد أخرجوه من بلده وطردوه وعذبوه وأصحابه، إلا أنه عليه الصلاة والسلام يعفو ويصفح، بل ويعطي أناسًا منهم من الصدقات تأليفًا لقلوبهم..
• • •
أيها المسلمون:
هيا فلنعد إلى أخلاق النبي وسلوكياته الطيبة، فأقوالنا بأمر الله يجب أن تكون (حُسْنًا)، قال تعالى: وأفعالنا يجب أن تكون عملاً صالحًا مع الله ومع أنفسنا ومع الناس، فالنجاة الحقيقية لنا في الدنيا والآخرة بصدق التعبد والتمسك بأخلاق الإسلام، ولا ينال ما عند الله إلا بطاعته، كما أنّ أصحاب الغايات النبيلة لا يستخدمون أي وسيلة غير نبيلة للحصول على غاياتهم، فانتبهوا رحمني الله وإياكم..
نسألُ الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يسيرون على هدي النبي وأخلاقه، كما نضرع إليه بأن يجعلنا هداة مهديين، لا ضالين ولا مضلين، لا فاتنين ولا مفتونين، نسأله جلت قدرته أن يمنّ علينا وعلى بلادنا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، كما نلجأ إليه؛ داعين إياه بأن ينصر ديننا، ويرفع رايتنا فوق كل راية... اللهم آمين.