الله -تعالى- أهل لأن يحب
كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فدعني أذكر لك بعض الدرر العظيمة التي جاء بها الإسلام للبشرية؛ لتكتشف جوانب السمو فيما يدعو إليه الإسلام، ولتعلم أن ديننا يدعوك لأن تحب، تحب ربك، وتحب غيرك؛ ولذلك دعني أيضًا أذكر لك ما ورد في القرآن مما يبين رحمة الله الواسعة.
قال الله -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:156).
ولقد شاهد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه امرأة ترضع صغيرها، وتحنو عليه فأدركتهم الشفقة من هذا المشهد البشري العظيم، فعندئذ قال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟) قُلْنَا: "لاَ وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) (متفق عليه).
وهذه الرحمة نجدها واضحة جلية في كل ما حولنا من أشياء: من طعام وشراب، وهواء وماء، وأناس وعلاقات، ومن تشريع رحيم فيه العذر للمريض، والضعيف، والمكره، وفيه مضاعفة للحسنات وغفران للسيئات، وقبول للتوبة، ومواسم لمضاعفة الأجر، ثم في جنة عرضها السموات والأرض، ينالها الإنسان -وهي سلعة غالية- بعمل قليل، وجهد يسير لا يتناسب مع ما فيها من نعيم وخلود، كل ذلك يدعونا لنحب ربنا.
فهيا نتأمل في بعض نعمه مما في كتابه -سبحانه وتعالى-:
ففي جانب تعامل الله مع خلقه وحبه لهم يبشرنا الله بقوله -تعالى-: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (النساء:147)، وفيها: أن الله يحب من الناس أن يؤمنوا به، ويشكروه، فإن فعلوا أكرمهم وبارك لهم؛ فالله -تعالى- يريد بنا كل خير.
ولتطلع على رحمته بك، وحبه لك تأمل مثلاً في الآيات: (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النساء:26)، (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة:185).
وفي جانب الدعوة إلى الإسلام يخبر الله -تعالى- أنه لا يصلح أن يجبر إنسان على اعتناق عقيدة ما حتى ولو كان الإسلام نفسه؛ لأن العقائد من اختيار الإنسان، ومن أعمال القلوب التي لا يستطيع آخر أن يحكم عليها، فقال -تعالى-: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256).
وكذلك يطمئن الله -تعالى- الإنسان أنه يرحمه ويعطيه، ويرأف به، ويقدر إيمانه، فقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة:143).
ولا يحاسب الله -تعالى- الإنسان على خطيئة غيره؛ لا آدم ولا من سواه من المخلوقات، وقال -تعالى-: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (فاطر:18).
فلا يحمل الإنسان شيئًا من أوزار الآخرين ولو كانوا من أقاربه، وهذا ما يشعر المؤمن بالسعادة والطمأنينة؛ قال -تعالى-: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل:30)، فالمحسن يلقى جزاؤه في الدنيا والآخرة، ولا يُعاقـَب على ذنب غيره؛ فكل امرئ بما كسب رهين.
فما أعظم النعم التي أعطاك الله الحياة نعمة، والمال نعمة، والصحة نعمة، والأسرة نعمة، والأصدقاء نعمة.
كل هذه النعم من الله، ومن الله وحده الذي خلقك ورزقك، لو منعها الله منك ما استطاعت قوة في الأرض أن تعيدها إليك، تذكر كل محروم مما منحك الله... كثيرون هم ومع ذلك فأنت ترفل في هذه النعم، وتتقلب فيها ليلاً ونهارًا.
أعطاك الله هذا كله وأكثر منه مما لا تشعر به والذي ربما عندما تحرم منه تدرك قيمته، قال الله: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:34)، فالواجب عليك بعد تذكرك لهذه النعم أن يمتلأ قلبك محبة لله وإجلالاً؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي) (رواه الترمذي، وضعفه الألباني)، دعونا نكمل التأمل في حب الله -تعالى- لنا ورحمته بنا؛ لنكشف عن مرادنا من العنوان السابق.
وفي جانب بيان المعالم العامة لرسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن ما جاء به هو نور من عند الله، يقول -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).
وفيها بيان أن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالخير، ويحل الطيب ويحرم الخبيث، ولا يكلف الناس بما لا يطيقون كما في الرهبانية مثلاً.
وانظر مثلاً كيف تـُبين الآية التالية أن الله -تعالى- لا يمنعنا من الاستمتاع بما في الدنيا من متع وجمال وزينة؛ قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ . قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَات ِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف:31-32)، فلا حرج من أن يأكل الإنسان ما شاء، ولا أن يلبس ما شاء من غير إسراف ولا كبر ولا مخيلة.
وفي جانب تعامل المسلم مع الناس فإن ذلك يجب أن يكون بحكمة، وحسن خلق وبر، وإشاعة أمان وسعادة؛ قال -سبحانه-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان:63)، فهم أهل تواضع وإحسان، بل كلما أساء الناس إليهم أحسنوا.
وفي جانب التعامل بالعدل وهو إسداء الحقوق، والإحسان وهو زيادة عن أداء الحقوق بجوانب البر وعدم الإساءة إلى الآخرين؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90).
وحتى مع الاختلاف فإن العدل واجب؛ فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8).