السنن النبوية في وقت الظهر
عبد الله بن حمود الفريح
فيه عِدَّة أمور:
الأمر الأول: صلاة سُنَّة الظهر القبلية، والبعدية.
وتقدَّم عند الكلام على السُّنن الرَّواتب، أنه يُشـرع قبل الظهر أربع ركعات، وبعدها ركعتين، كما دلَّ على ذلك حديث عائشة، وأم حبيبة، وابن عمر - رضـي الله عنهم أجمعين -.
وجاء في سنن أبي داود، والترمذي، والنَّسَائي، وابن ماجه، وفي مسند الإمام أحمد حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ ركعاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبعاً بَعْدَها، حَرَّمَ الله عَلَيْهِ النَّارَ»[1].
والحديث من رواية مكحول عن عنبسة، والحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين مكحول وعنبسة، كما قال أبو زُرعة، والنَّسَائي، والمنذري[2]، وأعلَّه ابن القطان، ومن أهل العلم من صححه، والمحفوظ عن أم حبيبة رضي الله عنها اثنتا عشـرة ركعة، وهي السُّنَن الرواتب كما عند مسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشـرةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»[3]. وقد سبق الحديث عن السُّنَن الرواتب.
الأمر الثاني: من السُّنَة تطويل الركعة الأولى من صلاة الظهر.
لحديث أبي سعيد الخدريِ رضي الله عنه قال: «لَقَدْ كَانَتْ صَلاَةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضـي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه وسلم في الركْعَةِ الأُولَى، مِمَّا يُطَوِّلُهَا»[4].
وعليه فإنَّ من السُّنَّة للإمام أن يطوِّل الركعة الأولى من الظهر، وكذلك من صلَّى منفرداً، وكذلك المرأة في بيتها، وهذه من السُّنن المندثرة، نسأل الله تعالى تطبيق السُّنَّة على الوجه الأكمل، والحرص عليها.
الأمر الثالث: القيلولة.
بالاتفاق أنَّ القيلولة هي: النوم والاستراحة نصف النهار.
ولكنَّ الخلاف أين تكون من نصف النهار؟
على قولين:
قيل: قبل الزوال. وقيل: بعد الزوال.
والأظهر - والله أعلم -: أنَّ الأمر فيه واسع، وأن ما قبل وبعد الزوال يدخل في القيلولة.
واختُلِف هل من السُّنَّة فعلها؟
على قولين، والأظهر - والله أعلم -: أنها ليست من السُّنَّة، بل هي ممّا كانوا يفعلونها عادة؛ ولحاجتهم الراحة نصف النَّهار، لاسـيما إذا علمنا أنهم يبدؤون أعمالهم من أول النَّهار، فيحتاجون للقيلولة وسطه، ولذا جاءت النُّصوص التي تبيِّن أنهم كانوا يقيلون، لكن الأمر بالقيلولة الأحاديث فيه ضعيفة، لا يصحّ منها شـيء، وإنما القيلولة من الأشـياء المتعارف عليها منذ عهد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحاضـر، ومن أراد النَّوم في النهار، فأفضل وقت وأنفعه هو: وقت القيلولة.
قال ابن حجر رحمه الله: «وأخرج ابن ماجه، وابن خزيمة، من حديث ابن عباس رضي الله عنه رفعه: استعينوا على صـيام النهار بالسحور، وعلى قيام الليل بالقيلولة»، وفي سنده زمعة بن صالح وفيه ضعف، وقد تقدَّم شـرح حديث سهل رضي الله عنه المذكور في الباب في أواخر كتاب الجمعة، وفيه إشارة إلى أنهم كانت عادتهم ذلك في كل يوم، وورود الأمر بها في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط، من حديث أنس رضي الله عنه رفعه، قال: «قِيلُوا فَإِنَّ الشـياطِين لَا تَقِيل»، وفي سنده (كثير بن مروان) وهو متروك، وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه من حديث خوات بن جبير رضي الله عنه موقوفاً، قال: «نَوْم أَوَّل النَّهَار خَرْق، وَأَوْسَطه خَلْق، وَآخِره حُمْق، وسنده صحيح»[5]، والخرق: الجهل؛ وذلك لأنَّ البركة في أول النهار، ومن نام فيه فقد أضاع بركته، وهذا من جهله.
الأمر الرابع: يُسنُّ عند شِدَّة الحر تأخير صلاة الظهر حتى ينكسـر الحر.
ويدلّ عليه:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» [6][7].
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «أمَّا ما كان الناس يفعلونه من قبل، حيث يصلُّون بعد زوال الشمس بنحو نصف ساعة أو ساعة، ثم يقولون: هذا إبراد، فليس هذا إبراداً! هذا إحرار؛ لأنه معروف أنَّ الحرّ يكون أشد ما يكون بعد الزوال بنحو ساعة، فإذا قدَّرنا مثلاً أنَّ الشمس في أيام الصـيف تزول على الساعة الثانية عشـرة، وأنَّ العصـر على الساعة الرابعة والنِّصف تقريباً، فيكون الإبراد إلى الساعة الرابعة تقريباً»[8].
والإبراد عام لمن يصلِّي في جماعة، ولمن يصلِّي وحده على الصحيح، وعليه يُسنُّ الإبراد للمرأة في بيتها أيضاً؛ لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو اختيار شـيخنا ابن عثيمين رحمه الله.
مستلة من كتاب: المنح العلية في بيان السنن اليومية
[1] رواه أبو داود برقم (1269)، والترمذي برقم (428)، والنسائي برقم (1813)، وابن ماجه برقم (1160)، وأحمد برقم (27403).
[2] الترغيب والترهيب (1/ 451).
[3] رواه مسلم برقم (728).
[4] رواه مسلم برقم (454).
[5] الفتح، حديث (6279)، باب القائلةِ بعدَ الجمعة (11/ 70).
[6] فيح جهنم: هو غليانها، وانتشار لهبها، ووهجها.
[7] رواه البخاري برقم (533،534)، ومسلم برقم (615).
[8] الممتع (2/ 104).