الفقه الميسر (كتاب الطهارة – باب الآنية)
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
يجوز استعمال جميع الأواني في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات، إذا كانت طاهرةً مُباحةً، ولو كانت ثمينةً؛ لبقائها على الأصل وهو الإباحة، ما عدا آنية الذهب والفضة، فإنه يَحرُم الأكل والشرب فيهما؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَشْربُوا في آنيةِ الذَّهَبِ والفِضّة، ولا تأكُلُوا في صِحافِها، فإنَّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة))؛ رواه البخاري ومسلم.
فهذا نصٌّ على تحريم الأكل والشرب، والنهيُ عامٌّ يتناول الإناء الخالص، أو المُمَوَّه- المطلي- بالذهب أو الفضة، أو الذي فيه شيء من الذهب والفضة.
آنية الكفار:
الأصل في آنية الكفار الحِلُّ، إلا إذا عُلمتْ نجاستُها، فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد غسلها؛ لحديث أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال: ((لا تأكُلُوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها، ثم كلوا فيها))؛ رواه البخاري ومسلم، وأما إذا لم تُعلَم نجاستها بأن يكون أهلها غير معروفين بمباشرة النجاسة، فإنه يجوز استعمالها؛ لأنه ثبَت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه "أخذوا الماء للوضوء من مَزَادة امرأة مشركة"؛ رواه البخاري ومسلم.
حكم استعمال جلود الميتة:
جلد الميتة إذا دُبِغَ طَهُرَ وجاز استعماله؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طَهُرَ))؛ رواه مسلم، ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ على شاةٍ ميتةٍ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هلَّا أخذوا إهابَها فدبغُوه فانتفعُوا به))؟ فقالوا: إنها ميتة، قال: ((فإنما حَرُمَ أكلُهَا))؛ رواه مسلم.
وهذا فيما إذا كانت الميتة مما تُحِلُّها الذكاةُ- كالإبل والبقر والغنم وغيرها - فالدباغ لا يُطهِّر إلا ما تحلُّه الذكاة، وهو رواية عن مالك، ورجَّحه بعض الحنابلة؛ كالمجد وابن تيمية وابن سعدي وابن باز وابن عثيمين.
والقول الآخر أن الدباغ يُطهِّر جلد جميع الميتات، وهو قول الظاهرية ورواية عن الشافعية والحنفية، واستثنى بعضهم جلد الكلب والخنزير؛ لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طَهُرَ))؛ رواه مسلم. ولأن جلود الميتة عمومًا تزول نجاستُها بمعالجتها بالدِّباغ سابقًا بالماء وبعض الأعشاب، وحاليًّا بالمواد الكيميائية التي تقضي على عين النجاسة. وهذا القول رجحه الشوكاني في نيل الأوطار، وقال الشيخ ابن باز في الفتاوى: "أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحلُّ بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم، والأحوط ترك استعماله؛ عملًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومَنِ اتَّقَى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((دَعْ ما يُريبُك إلى ما لا يُريبُك)).